التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى ٱلۡإِبِلِ كَيۡفَ خُلِقَتۡ} (17)

ثم ساق - سبحانه - أنواعا من الأدلة المشاهدة ، التى لا يستطيع أحد إنكارها ، ليلفت أنظار الناس إلى مظاهر قدرته ووحدانيته . فقال - تعالى - : { أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإبل كَيْفَ خُلِقَتْ . وَإِلَى السمآء كَيْفَ رُفِعَتْ . وإلى الجبال كَيْفَ نُصِبَتْ . وَإِلَى الأرض كَيْفَ سُطِحَتْ } .

والاستفهام للتقريع والتوبيخ ، والتحريض على التأمل والتفكر ، والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام ، والمراد بالنظر : التدبر فى تلك المخلوقات ، فإن من شأن هذا التدبر ، أنه يؤدى إلى الاعتبار والانتفاع . . والخطاب لأولئك الكافرين الجاهلين ، الذين أمامهم الشواهد الواضحة على وحدانية الله - تعالى - وقدرته ، ومع ذلك لم ينتبهوا لها .

والمعنى : أيستمر هؤلاء الكافرون فى جهلهم وضلالهم ، وفى إنكارهم لأمر البعث والحساب والجزاء . . فلا ينظرون نظر اعتبار وتأمل ، إلى الإِبل - وهى أمام أعينهم - كيف خلقها الله ما - تعالى - بهذه الصورة العجيبة ، وأوجد فيها من الأعضاء المتناسقة ، ومن التكوين الخِلْقِى ، ما يجعلها تؤدى وظيفتها النافعة لبنى آدم ، على أكمل وجه ، فمن لبنها يشربون ، ومن لحمها يأكلون وعلى ظهرها يسافرون ، وأثقالهم عليها يحملون .

وخص - سبحانه - الإِبل بالذكر من بين سائر الحيوانات ، لأنها أعز الأموال عند العرب ، وأقربها إلى مألوفهم وحاجتهم ، وأبدعها خلقا وهيئة وتكوينا .

قال صاحب الكشاف : قوله - تعالى - : { أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإبل } نظر اعتبار { كَيْفَ خُلِقَتْ } خلقا عجيبا ، دالا على تقدير مقدر ، شاهدا بتدبير مدبر ، حيث خلقها للنهوض بالأثقال ، وجرها إلى البلاد الشاحطة ، أى البعيدة ، فجعلها تبرك حتى تحمل عن قرب ويسر ، ثم تنهض بما حملت ، وسخرها منقادة لكل من اقتادها بأزمتها ، لا تعارض ضعيفا ، ولا تمانع صغيرا .

فإن قلت : كيف حسن ذكر الإِبل ، مع السماء والجبال والأرض ، ولا مناسبة ؟ . .

قلت : قد انتظم هذه الأشياء ، نظر العرب فى أوديتهم وبواديهم ، فانتظمها الذكر على حسب ما انتظمها نظرهم . .