فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى ٱلۡإِبِلِ كَيۡفَ خُلِقَتۡ} (17)

{ الإبل } الجمال والبعران ، اسم جمع لا واحد له من لفظه .

{ أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ( 17 ) وإلى السماء كيف رفعت ( 18 ) وإلى الجبال كيف نصبت ( 19 ) وإلى الأرض كيف سطحت ( 20 ) } .

الحديث من أول السورة عن الآخرة وهولها ، وحال أهلها ، فالذين آمنوا يعلمون أنها الحق { . . وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور }{[10549]} ويشهدون أن الجنة حق وأن النار حق ، لكن الذين ادارك علمهم في الآخرة ، بل هم في شك منها { بل الذين كفروا في تكذيب }{[10550]} ؛ فجاءت الآيات هنا تسوق البرهان الذي يرسخ الإيمان بيوم الحساب ، ولا ينكره إلا مسرف مرتاب ، فذكرهم سبحانه بأنه الفعال لما يريد ، فكيف يعجزه أن يبدئ ويعيد ؟ ! أفلا يفكر المنكرون كيف خلق الله تعالى الأرض والجبال ، والسماء والحيوان الذي منه هذه الأنعام من البعران والجمال ؟ ! إنها- كما وصفها العرب- ركوبة حلوبة ، أكولة حمولة ؛ وإنها تأكل النوى والقت ، وتخرج اللبن { وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس . . }{[10551]} كما أنها على عظم خلقه ، وكبر جسمها ذللها الله تعالى لنا فهي منقادة مسخرة حتى للطفل والصبية ، وفي ذلك يقول الشاعر :

لقد عظم البعير بغير لب فلم يستغن بالعظم البعيــر

يصرفه الصبي بكل وجه ويحبسه على الخسف الجرير

وتضربه الوليدة بالهراوى فلا غير لديه ولا نكيــر .

فنبههم جل ثناؤه على عظيم من خلقه قد ذلـله للصغير ، يقوده وينيخه وينهضه ، ويحمل عليه الثقيل من الحمل وهو بارك ، فينهض بثقيل حمله ، وليس ذلك في شيء من الحيوان غيره ؛ فأراهم عظيما من خلقه ، مسخرا لصغير من خلقه ، يدلهم بذلك على توحيده وعظيم قدرته . . . وحين أراد بها أن تكون سفائن البر صبرها على احتمال العطش ؛ حتى إن إظماءها ليرتفع إلى العشر فصاعدا ، وجعلها ترعى كل شيء ثابت في البراري والمفاوز مما لا يرعاه سائر البهائم .

/خ20


[10549]:- سورة الحج. من الآية 7.
[10550]:- سورة البروج. الآية 19.
[10551]:- سورة النحل. من الآية 7.