فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى ٱلۡإِبِلِ كَيۡفَ خُلِقَتۡ} (17)

{ أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإبل كَيْفَ خُلِقَتْ } الاستفهام للتقريع والتوبيخ ، والفاء للعطف على مقدّر كما في نظائره مما مرّ غير مرّة ، والجملة مسوقة لتقرير أمر البعث والاستدلال عليه ، وكذا ما بعدها ، «وكيف » منصوبة بما بعدها ، والجملة في محل جر على أنها بدل اشتمال من الإبل ، والمعنى : أينكرون أمر البعث ويستبعدون وقوعه ، أفلا ينظرون إلى الإبل التي هي غالب مواشيهم وأكبر ما يشاهدونه من المخلوقات { كَيْفَ خُلِقَتْ } على ما هي عليه من الخلق البديع من عظم جثتها ومزيد قوّتها وبديع أوصافها . قال أبو عمرو بن العلاء : إنما خصّ الإبل لأنها من ذوات الأربع تبرك فتحمل عليها الحمولة ، وغيرها من ذوات الأربع لا يحمل عليه إلاَّ وهو قائم ، قال الزجاج : نبههم على عظيم من خلقه قد ذلله للصغير يقوده وينيخه وينهضه ويحمل عليه الثقيل من الحمل وهو بارك ، فينهض بثقل حمله ، وليس ذلك في شيء من الحوامل غيره ، فأراهم عظيماً من خلقه ليدلّ بذلك على توحيده . وسئل الحسن عن هذه الآية ، وقيل له : الفيل أعظم في الأعجوبة ، فقال : أما الفيل فالعرب بعيدة العهد به ، ثم هو خنزير لا يركب ظهره ولا يؤكل لحمه ولا يحلب درّه ، والإبل من أعزّ مال العرب وأنفسه ، تأكل النوى والقت وتخرج اللبن . ويأخذ الصبيّ بزمامها فيذهب بها حيث شاء مع عظمها في نفسها . وقال المبرد : الإبل هنا هي القطع العظيمة من السحاب ، وهو خلاف ما ذكره أهل التفسير واللغة . وروي عن الأصمعي أنه قال : من قرأ { خلقت } بالتخفيف عنى به البعير ، ومن قرأ بالتشديد عنى به السحاب .

/خ26