تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان  
{أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى ٱلۡإِبِلِ كَيۡفَ خُلِقَتۡ} (17)

الإبل : جمع لا واحد له من لفظه مفردها : بعير .

وبعد أن بين الله تعالى أحوال الآخرة وما فيها من نعيمٍ للمؤمنين وشقاءٍ للجاحدين يذكّر الناسَ هنا لينظروا في هذا الوجود الظاهر ، ويعتبروا بقدرة القادر وتدبير المدبّر فقال :

{ أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإبل كَيْفَ خُلِقَتْ } .

إن هذه المشاهد معروفة لنظر الإنسان حيثما كان : الحيوان والسماء والأرض والجبال . وأيّاً ما كان حظ الإنسان من العلم والحضارة فهذه مشاهد داخلة في عالَمه وإدراكه . ويذكّرنا الله تعالى بأن ننظر ونعتبرَ بهذه القدرة الخارقة والتدبير المحكَم .

فالجمل حيوانٌ عجيب ونفعه كبير جدا ، عليه يسافر الإنسان ويحمل أثقاله . ومن لبنِ الناقة يشرب ، ويأكل من لحومها ، ومن أوبار الإبل وجلودها يلبس ويتّخذ المأوى . فقد كانت الجِمالُ ولا تزال في كثيرٍ من بقاع الأرض موردَ الحياة الأول للإنسان ومن أحسن المواصلات ، حتى سُميت سفنَ الصحراء . وهي قليلة التكاليف وعلى قوّتها وضخامتها يقودُها الصغير فتنقاد . ولهيئتها مزية وفي تكوينها عَجَب . فعينا الجمل ترتفعان فوق رأسه ، وترتدّان إلى الخلف . ولهما طبقتان من الأهداب تقيانهما الرمالَ والقذَى . وكذلك المِنخَران والأُذنان يكتنفها الشعر للغرضِ نفسِه . فإذا ما هبّت العواصف الرملية ، انقفل المِنخران وانثنت الأُذنان نحو الجسم . والإِبلُ أصبرُ الحيوان على الجوع والعطش والكدح ، ومزاياها كثيرة لا يتسع المقام لبسْطِها . وما زال العلماء يجدون في الجمل كلّما بحثوا مصداقاً لِحَضِّ الله تعالى لهم على النظر في خَلْقه المعجز .