الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى ٱلۡإِبِلِ كَيۡفَ خُلِقَتۡ} (17)

{ أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإبل } نظر اعتبار { كَيْفَ خُلِقَتْ } خلقاً عجيباً ، دالاً على تقدير مقدر ، شاهداً بتدبير مدبر ، حيث خلقها للنهوض بالأثقال وجرها إلى البلاد الشاحطة فجعلها تبرك حتى تحمل عن قرب ويسر ، ثم تنهض بما حملت ، وسخرها منقادة لكل من اقتادها بأزمتها : لا تعاز ضعيفاً ولا تمانع صغيراً ، وبرأها طوال الأعناق لتنوء بالأوقار . وعن بعض الحكماء . أنه حدث عن البعير وبديع خلقه ، وقد نشأ في بلاد لا إبل بها ، ففكر ثم قال : يوشك أن تكون طوال الأعناق ، وحين أراد بها أن تكون سفائن البر صبرها على احتمال العطش ؛ حتى إن أظماءها لترتفع إلى العشر فصاعداً ، وجعلها ترعى كل شيء نابت في البراري والمفاوز مما لا يرعاه سائر البهائم . وعن سعيد بن جبير قال : لقيت شريحاً القاضي فقلت : أين تريد ؟ قال : أريد الكناسة : قلت : وما تصنع بها ؟ قال : أنظر إلى الإبل كيف خلقت .

فإن قلت : كيف حسن ذكر الإبل مع السماء والجبال والأرض ولا مناسبة ؟ قلت : قد انتظم هذه الأشياء نظر العرب في أوديتهم وبواديهم ؛ فانتظمها الذكر على حسب ما انتظمها نظرهم ، ولم يدع من زعم أن الإبل السحاب إلى قوله : إلا طلب المناسبة ، ولعله لم يرد أن الإبل من أسماء السحاب ، كالغمام والمزن والرباب والغيم والغين ، وغير ذلك ، وإنما رأى السحاب مشبها بالإبل كثيراً في أشعارهم ، فجوز أن يراد بها السحاب على طريق التشبيه والمجاز .