ثم بين - سبحانه - الحكمة من إرساله لنبيه صلى الله عليه وسلم - فقال : { لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أُنذِرَ آبَآؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ } .
واللام فى قوله : { لِتُنذِرَ } متعلقة بفعل مضمر يدل عليه قوله : { إِنَّكَ لَمِنَ المرسلين } .
والإنذار : إخبار معه تخويف فى مدة تتسع للتحفظ من الخوف ، فإن لم تتسع له فهو إعلام وإشعار لا إنذار . وأكثر ما يستعمل فى القرآن فى التخويف من عذاب الله - تعالى - .
والمراد بالقوم : كفار مكة الذين بعث النبى صلى الله عليه وسلم لإنذارهم ، وهذا لا يمنع أن رسالته عامة إلى الناس جميعا ، كما قال - تعالى - : { قُلْ ياأيها الناس إِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ جَمِيعاً . . . } و { ما } نافية ، والمراد بآبائهم : آباؤهم الأقربون ، لأن آباءهم الأبعدون قد أرسل الله - تعالى - إليهم إسماعيل - عليه السلام - .
أى : أرسلناك - يا محمد - بهذه الرسالة من لدنا ، لتنذر قوما ، وهم قريش المعاصرون لك ، ولم يسبق لهم أو لآبائهم أن جاءهم نذير منا يحذرهم من سوء عاقبة الإِشراك بالله - تعالى - فهم لذلك غافلون عما يجب عليهم نحو خالقهم من إخلاص العبادة له ، وطاعته فى السر والعلن .
قال ابن كثير : قوله { لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أُنذِرَ آبَآؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ } يعنى بهم العرب ، فإنه ما أتاهم من نذير من قبله . وذكرهم وحدهم لا ينفى من عداهم ، كما أن ذكر بعض الأفراد لا ينفى العموم ، الذى وردت به الآيات والأحاديث المتواترة . . .
وقال الجمل ما ملخصه : قوله { لِتُنذِرَ قَوْماً . . . } أى العرب وغيرهم وقوله { مَّآ أُنذِرَ آبَآؤُهُمْ } أى الأقربون ، إلا فآباؤهم الأبعدون قد أنذروا فآباء العرب الأقدمون أنذورا بإسماعيل ، وآباء غيرهم أنذروا بعيسى .
. و " ما " نافية ، لأن قريشا لم يبعث إليهم نبى قبل نبينا صلى الله عليه وسلم فالجملة صفة لقوله { قوما } أى : قوما لم تنذروا . وقوله { فَهُمْ غَافِلُونَ } مرتب على الإِنذار . . .
وقوله تعالى : { لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ } يعني بهم : العرب ؛ فإنه ما أتاهم من نذير من قبله . وذكرهم وحدهم لا ينفي مَنْ عداهم [ كما زعمه بعض النصارى ]{[24663]} ، كما أن ذكر بعض الأفراد لا ينفي العموم . وقد تقدم ذكر الآيات والأحاديث المتواترة في عموم بعثته ، صلوات الله وسلامه عليه ، عند قوله تعالى : { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا } [ الأعراف : 158 ] .
اختلف المفسرون في قوله { ما أنذر } ، فقال عكرمة { ما } بمعنى الذي ، والتقدير الشيء الذي أنذره الآباء من النار والعذاب ، ويحتمل أن تكون { ما } مصدرية على هذا القول من أن الآباء أنذروا . أي : ما أنذر آباؤهم{[9769]} ،
قال القاضي أبو محمد : ف «الآباء » على هذا كله هم الأقدمون على مر الدهر{[9770]} ، وقوله تعالى : { فهم } ، مع هذا التأويل بمعنى فإنهم دخلت الفاء لقطع الجملة من الجملة ، وقال قتادة { ما } نافية أي أن آباءهم لم ينذروا ، فالآباء على هذا هم القريبون منهم ، وهذه الآية كقوله تعالى : { وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير }{[9771]} [ سبأ : 44 ] ، وهذه النذارة المنفية هي نذارة المباشرة والأمر والنهي ، وإلا فدعوة الله تعالى من الأرض لم تنقطع قط ، وقوله { فهم } على هذا ، الفاء منه واصلة بين الجملتين ، ورابطة للثانية بالأولى{[9772]} .
فاللام في { لتنذر } متعلقة ب { تنزيل } وهي لام التعليل تعليلاً لإِنزال القرآن .
واقتصر على الإِنذار لأن أول ما ابتدىء به القومُ من التبليغ إنذارهم جميعاً بما تضمنته أول سورة نزلت من قوله : { كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى } [ العلق : 6 ، 7 ] الآية . وما تضمنته سورة المدثر لأن القوم جميعاً كانوا على حالة لا ترضي الله تعالى فكان حالهم يقتضي الإِنذار ليسرعوا إلى الإِقلاع عما هم فيه مرتبكون .
والقوم الموصوفون بأنهم لم تنذر آباؤهم : إما العرب العدنانيون فإنهم مضت قرون لم يأتهم فيها نذير ، ومضى آباؤهم لم يسمعوا نذيراً ، وإنما يُبتدأ عدُّ آبائهم من جدّهم الأعلى في عمود نسبهم الذين تميزوا به جذماً وهو عدنان ، لأنه جذم العرب المستعربة ، أو أريد أهل مكة .
وإنما باشر النبي صلى الله عليه وسلم في ابتداء بعثته دعوة أهل مكة وما حولها فكانوا هم الذين أراد الله أن يتلقّوا الدين وأن تتأصل منهم جامعة الإِسلام ثم كانوا هم حملة الشريعة وأعوان الرسول صلى الله عليه وسلم في تبليغ دعوته وتأييده . فانضمّ إليهم أهل يثرب وهم قحطانيون فكانوا أنصاراً ثم تتابع إيمان قبائل العرب .
وفرع عليه قوله : { فهم غافلون } أي فتسبب على عدم إنذار آبائهم أنهم متصفون بالغفلة وصفاً ثابتاً ، أي فهم غافلون عما تأتي به الرسل والشرائع فهم في جهالة وغواية إذ تراكمت الضلالات فيهم عاماً فعاماً وجيلاً فجيلاً .
فهذه الحالة تشمل جميع من دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم سواء من آمن بعدُ ومن لم يؤمن .
والغفلة : صريحها الذهول عن شيء وعدم تذكره ، وهي هنا كناية عن الإِهمال والإِعراض عما يحق التنبيه إليه كقول النابغة :
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.