{ لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا } اى : لهؤلاء المتقين ما يشاءون ويشتهون . . فى الجنة .
{ وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } أى : وعدنا - فضلا عن كل هذا النعيم الذى يرفلون فيه - المزيد منه ، مما لم يخطر لهم على بال ، ولم تره أعينهم قبل ذلك .
قال ابن كثير : وقوله : { وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } كقوله - تعالى - : { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الحسنى وَزِيَادَةٌ } وقد تقدم فى صحيح مسلم عن صهيب بن سنان ، أنها النظر إلى وجه الله الكريم .
وقوله : { لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا } أي : مهما اختاروا وجدوا من أي أصناف الملاذ طلبوا أحضر لهم .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زُرْعَة ، حدثنا عمرو بن عثمان ، حدثنا بَقِيَّة ، عن بَحِير {[27348]} بن سعد ، عن خالد بن مَعْدان ، عن كثير بن مُرَّة قال : من المزيد أن تمر السحابة بأهل الجنة فتقول : ماذا تريدون فأمطره لكم ؟ فلا يدعون بشيء إلا أمطرتهم . قال كثير : لئن أشهدني الله ذلك لأقولن : أمطرينا جواري مزينات .
وفي الحديث عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : " إنك لتشتهي الطير في الجنة ، فيخر بين يديك مشويا " {[27349]} .
وقال الإمام أحمد : حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا معاذ بن هشام ، حدثني أبي عن عامر الأحول ، عن أبي الصديق{[27350]} ، عن أبي سعيد الخدري ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا اشتهى المؤمن الولد في الجنة ، كان حمله ووضعه وسِنّه في ساعة واحدة " .
ورواه الترمذي وابن ماجه ، عن بُنْدار ، عن معاذ بن هشام ، به {[27351]} وقال الترمذي : حسن غريب ، وزاد " كما يشتهي " .
وقوله : { وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } كقوله تعالى : { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } [ يونس : 26 ] . وقد تقدم في صحيح مسلم عن صُهَيب بن سنان الرومي : أنها النظر إلى وجه الله الكريم . وقد روى البزار وابن أبي حاتم ، من حديث شريك القاضي ، عن عثمان بن عمير أبي اليقظان ، عن أنس بن مالك في قوله عز وجل : { وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } قال : يظهر لهم الرب ، عز وجل ، في كل جمعة{[27352]} .
وقد رواه الإمام أبو عبد الله الشافعي مرفوعًا فقال في مسنده : أخبرنا إبراهيم بن محمد ، حدثني موسى بن عبيدة ، حدثني أبو الأزهر معاوية بن إسحاق بن طلحة ، عن عبد الله بن عبيد بن عمير{[27353]} أنه سمع أنس بن مالك يقول : أتى جبرائيل بمرآة بيضاء فيها نكتة إلى رسول الله ، فقال النبي{[27354]} صلى الله عليه وسلم : " ما هذه ؟ " فقال : هذه الجمعة ، فُضّلتَ بها أنت وأمتك ، فالناس لكم فيها تبع اليهود والنصارى ، ولكم فيها خير ، ولكم فيها ساعة لا يوافقها مؤمن{[27355]} يدعو الله بخير إلا استجيب له ، وهو عندنا يوم المزيد . قال النبي صلى الله عليه وسلم : " يا جبريل ، وما يوم المزيد ؟ " قال : إن ربك اتخذ في الفردوس واديا أفيح فيه كثب المسك ، فإذا كان يوم الجمعة أنزل الله ما شاء{[27356]} من ملائكته ، وحوله منابر من نور ، عليها مقاعد النبيين ، وحف تلك المنابر بمنابر من ذهب ، مكللة بالياقوت والزبرجد ، عليها الشهداء والصديقون {[27357]} فجلسوا من ورائهم على تلك الكثب ، فيقول الله عز وجل : أنا ربكم ، قد صدقتكم وعدي ، فسلوني أعطكم . فيقولون : ربنا ، نسألك رضوانك ، فيقول : قد رضيت عنكم ، ولكم علي ما تمنيتم ، ولدي مزيد . فهم يحبون يوم الجمعة لما يعطيهم فيه ربهم من الخير ، وهو اليوم الذي استوى فيه ربكم على العرش ، وفيه خلق آدم ، وفيه تقوم الساعة " .
[ و ] {[27358]} هكذا أورده الإمام الشافعي في كتاب " الجمعة " من الأم{[27359]} ، وله طرق عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه . وقد أورد ابن جرير هذا من رواية عثمان بن عمير ، عن أنس بأبسط من هذا{[27360]} وذكر هاهنا أثرًا مطولا عن أنس بن مالك موقوفًا وفيه غرائب كثيرة{[27361]} .
وقال الإمام أحمد : حدثنا حسن ، حدثنا ابن لَهِيعة ، حدثنا دَراج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الرجل في الجنة ليتكئ في الجنة سبعين سنة قبل أن يتحول ثم تأتيه امرأة فتضرب على منكبه {[27362]} فينظر وجهه في خدها أصفى من المرآة ، وإن أدنى لؤلؤة عليها تضيء ما بين المشرق والمغرب . فتسلم عليه ، فيرد السلام ، فيسألها : من أنت ؟ فتقول : أنا من المزيد . وإنه ليكون عليها سبعون حلة ، أدناها مثل النعمان ، من طوبى ، فينفذها بصره حتى يرى مخ ساقها من وراء ذلك ، وإن عليها من التيجان ، إن أدنى لؤلؤة منها لتضيء ما بين المشرق والمغرب " {[27363]} .
وهكذا رواه عبد الله بن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، عن دراج ، به{[27364]} .
وقوله : لَهُمْ ما يَشاءُونَ فِيها يقول : لهؤلاء المتقين ما يريدون في هذه الجنة التي أُزلفت لهم من كل ما تشتهيه نفوسهم ، وتلذّه عيونهم .
وقوله : وَلَدَيْنا مَزِيدٌ يقول : وعندنا لهم على ما أعطيناهم من هذه الكرامة التي وصف جلّ ثناؤه صفتها مزيد يزيدهم إياه . وقيل : إن ذلك المزيد : النظر إلى الله جلّ ثناؤه . ذكر من قال ذلك :
حدثني أحمد بن سُهيل الواسطي ، قال : حدثنا قُرةُ بن عيسى ، قال : حدثنا النضر بن عربيّ جده ، عن أنس ، إن الله عزّ وجلّ إذا أسكن أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، هبط إلى مَرْج من الجنة أفيح ، فمدّ بينه وبين خلقه حُجُبا من لؤلؤ ، وحُجُبا من نور ثم وُضعت منابر النور وسُرُرُ النور وكراسيّ النور ، ثم أُذِن لرجل على الله عزّ وجلّ بين يديه أمثال الجبال من النور يُسْمَع دَويّ تسبيح الملائكة معه ، وصَفْق أجنحتهم فمدّ أهل الجنة أعناقهم ، فقيل : من هذا الذي قد أُذِن له على الله ؟ فقيل : هذا المجعول بيده ، والمُعَلّم الأسماء ، والذي أُمرت الملائكة فسجدت له ، والذي له أبيحت الجنة ، آدم عليه السلام ، قد أُذِن له على الله تعالى قال : يؤذَن لرجل آخر بين يديه أمثال الجبال من النور ، يُسْمع دَوِيّ تسبيح الملائكة معه ، وصَفُق أجنحتهم فمدّ أهل الجنة أعناقهم ، فقيل : من هذا الذي قد أُذِن له على الله ؟ فقيل : هذا الذي اتخذه الله خليلاً ، وجعل عليه النار بَرْدا وسلاما ، إبراهيم قد أُذِن له على الله . قال : ثم أُذِن لرجل آخر على الله ، بين يديه أمثال الجبال من النور يُسْمَع دَوِيّ تسبيح الملائكة معه ، وصَفْق أجنحتهم فمدّ أهل الجنة أعناقهم ، فقيل : من هذا الذي قد أُذن له على الله ؟ فقيل : هذا الذي اصطفاه الله برسالته وقرّبه نجيا ، وكلّمه ( كلاما ) موسى عليه السلام ، قد أُذِن له على الله . قال : ثم يُؤذن لرجل آخر معه مثلُ جميع مواكب النبيين قبله ، بين يديه أمثال الجبال ، ( من النور ) يسمع دَوِيّ تسبيح الملائكة معه ، وصَفْق أجنحتهم فمدّ أهل الجنة أعناقهم ، فقيل : من هذا الذي قد أُذِن له على الله ؟ فقيل : هذا أوّل شافع ، وأوّل مشفّع ، وأكثر الناس واردة ، وسيد ولد آدم وأوّل من تنشقّ عن ذُؤابتيه الأرض ، وصاحب لواء الحمد ، أحمد صلى الله عليه وسلم ، قد أُذِن له على الله . قال : فجلس النبيون على منابر النور ، ( والصدّيقون على سُرُر النور والشهداء على كراسيّ النور ) وجلس سائر الناس على كُثْبان المسك الأذفر الأبيض ، ثم ناداهم الربّ تعالى من وارء الحُجب : مَرْحَبا بعبادي وزوّاري وجيراني ووفدي . يا ملائكتي ، انهضوا إلى عبادي ، فأطعموهم . قال : فقرّبت إليهم من لحوم طير ، كأنها البُخت لا ريش لها ولا عظم ، فأكلوا ، قال : ثم ناداهم الربّ من وراء الحجاب : مرحبا بعبادي وزوّاري وجيراني ووفدي ، أكلوا اسقوهم . قال : فنهض إليهم غلمان كأنهم اللؤلؤ المكنون بأباريق الذهب والفضة بأشربة مختلفة لذيذة ، لذة آخرها كلذّة أوّلها ، لا يُصَدّعون عنها ولا يُنْزَفون ثم ناداهم الربّ من وراء الحُجب : مرحبا بعبادي وزوّاري وجيراني ووفدي ، أكلوا وشربوا ، فَكّهوهم . قال : فيقرّب إليهم على أطباق مكلّلة بالياقوت والمرجان ومن الرّطَب الذي سَمّى الله ، أشدّ بياضا من اللبن ، وأطيب عذوبة من العسل . قال : فأكلوا ثم ناداهم الربّ من وراء الحُجُب : مرحبا بعبادي وزوّاري وجيراني ووفدي ، أكلوا وشربوا ، وفُكّهوا اكسوهم قال ففتحت لهم ثمار الجنة بحلل مصقولة بنور الرحمن فأُلبسوها . قال : ثم ناداهم الربّ تبارك وتعالى من وراء الحجب : مرحبا بعبادي وزوّاري وجيراني ووفدي أكلوا وشربوا وفُكّهوا وكُسُوا طَيّبوهم . قال : فهاجت عليهم ريح يقال لها المُثِيرة ، بأباريق المسك ( الأبيض ) الأذفر ، فنفحت على وجوههم من غير غُبار ولا قَتام . قال : ثم ناداهم الربّ عزّ وجلّ من وراء الحُجب : مرحبا بعبادي وزوّاري وجيراني ووفدي ، أكلوا وشربوا وفكهوا ، وكسوا وطُيّبوا ، وعزّتي لأتجلينّ لهم حتى ينظروا إليّ قال : فذلك انتهاء العطاء وفضل المزيد قال : فتجلى لهم الربّ عزّ وجلّ ، ثم قال : السلام عليكم عبادي ، انظروا إليّ فقد رضيت عنكم . قال : فتداعت قصور الجنة وشجرها ، سبحانك أربع مرّات ، وخرّ القوم سجدا قال : فناداهم الربّ تبارك وتعالى : عبادي ارفعوا رؤوسكم فإنها ليست بدار عمل ، ولا دار نَصَب إنما هي دار جزاء وثواب ، وعزّتي وجلالي ما خلقتها إلا من أجلكم ، وما من ساعة ذكرتموني فيها في دار الدنيا ، إلا ذكرتكم فوق عرشي .
حدثنا عليّ بن الحسين بن أبجر ، قال : حدثنا عمر بن يونس اليمامي ، قال : حدثنا جهضم بن عبد الله بن أبي الطفيل قال : ثني أبو طيبة ، عن معاوية العبسيّ ، عن عثمان بن عمير ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أتانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلامُ وفِي كَفّهِ مِرْآةٌ بَيْضَاءُ ، فِيها نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فَقُلْتُ : يا جِبْرِيلُ ما هَذِهِ ؟ قالَ : هَذِهِ الجُمُعَةُ ، قُلْتُ : فَمَا هَذِهِ النّكْتَةُ السّوْدَاءُ فِيها ؟ قالَ : هِيَ السّاعَةُ تَقُومُ يَوْمَ الجُمُعَةِ وَهُوَ سَيّدُ الأَيّامِ عِنْدَنا ، ونَحْنُ نَدْعُوهُ فِي الاَخِرَةِ يَوْمَ المَزِيدِ قُلْتُ : وَلِمَ تَدْعُونَ يَوْمَ المَزِيدِ قالَ : إنّ رَبّكَ تَبارَكَ وَتَعالى اتّخَذَ فِي الجَنّةِ وَادِيا أفْيَحَ مِنْ مِسْكٍ أبْيَضَ ، فإذَا كانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ نَزَلَ مِنْ عِلّيّينَ على كُرْسِيّهِ ، ثُمّ حَفّ الكُرْسِيّ بِمَنابِرَ مِنْ نُورٍ ، ثُمّ جاءَ النّبِيّونَ حتى يَجْلِسُوا عَلَيْها ثُمّ تَجِيءُ أهْلُ الجَنّةِ حتى يَجْلِسُوا على الكُثُبِ فَيَتَجَلّى لَهُمْ رَبّهُمْ عَزّ وَجَلّ حتى يَنْظُرُوا إلى وَجْهِهِ وَهُوَ يَقُولُ : أنا الّذِي صَدَقْتُكُمْ عِدَتِي ، وأتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ، فَهَذَا مَحلّ كَرَامَتِي ، فَسَلُونِي ، فَيَسأَلُونَهُ الرّضَا ، فَيَقُولُ : رضَايَ أحَلّكُمْ دَارِي وأنا لَكُم كَرَامَتِي ، سَلُونِي ، فَيَسألُونَهُ حتى تَنْتَهِيَ رَغْبَتُهُمْ ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ عِنْدَ ذلكَ ما لا عين رأَتْ ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلا خَطَرَ على قَلْبِ بَشَرٍ ، إلى مِقْدَارِ مُنْصَرَفِ النّاسِ مِنَ الجُمُعُة حتى يَصْعَدَ على كُرْسِيّهِ فَيَصْعَدُ مَعَهُ الصّدّيقُونَ والشّهَدَاءُ ، وَتَرْجِعُ أهْلُ الجَنّةِ إلى غُرَفِهِمْ دُرّةً بَيْضَاءَ ، لا نَظْمَ فِيها وَلا فَصْمَ ، أوْ ياقُوتَةً حَمْرَاءَ ، أوْ زَبَرْجَدَةً خَضْرَاءَ ، مِنْها غُرَفْها وأبْوَابُها ، فَلَيْسُوا إلى شَيْءٍ أحْوَجَ مِنْهُمْ إلى يَوْمِ الجُمُعَةِ ، لِيَزْدَادُوا مِنْهُ كَرَامَةً ، وَلِيَزْدَادُوا نَظَرا إلى وَجْهِهِ ، وَلِذَلكَ دُعِيَ يَوْمَ المَزِيدِ » .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا جرير ، عن ليث بن أبي سليم ، عن عثمان بن عمير ، عن أنس بن مالك ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، نحو حديث عليّ بن الحسين .
حدثنا الربيع بن سليمان ، قال : حدثنا أسد بن موسى ، قال : حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، عن صالح بن حيان عن أبي بُرَيدة ، عن أنس بن مالك ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بنحوه .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : أخبرنا ابن عون ، عن محمد ، قال : حدثنا ، أو قال : قالوا : إن أدنى أهل الجنة منزلة ، الذي يقال له تمنّ ، ويذكّره أصحابه فيتمنى ، ويذكره أصحابه فيقال له ذلك ومثله معه . قال : قال ابن عمر : ذلك لك وعشرة أمثاله ، وعند الله مزيد .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرنا عمرو بن الحارث أن درّاجا أبا السّمْح ، حدثه عن أبي الهَيثم ، عن أبي سعيد الخُدريّ ، أنه قال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ الرّجُلَ فِي الجَنّةِ لَيَتّكِيءُ سَبْعِينَ سَنَةً قَبْلَ أنْ يَتَحَوّلَ ثُمّ تَأْتِيهِ امْرأتُهُ فَتَضْربُ على مَنْكِبَيْهِ ، فَيَنْظُرُ وَجْهَهُ فِي خَدّها أصْفَى مِنْ المِرْآةِ ، وإنّ أدْنَى لُؤْلُؤَةٍ عَلَيْها لَتُضِيءُ ما بَينَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِب ، فَتُسَلّمُ عَلَيْهِ ، فَيرُدّ السّلامَ ، وَيَسألُها مَنْ أنْتِ ؟ فَتَقُولُ : أنا مِنَ المَزِيدِ وَإنّهُ لَيَكُونَ عَلَيْها سَبْعُونَ ثَوْبا أدْناها مِثْلُ النّعْمانِ مِنْ طُوبى فَيَنْفُذُها بَصَرُهُ حتى يَرَى مُخّ ساقِها مِنْ وَرَاءِ ذلكَ ، وَإنّ عَلَيْها مِنَ التّيجانِ ، وَإنّ أدْنَى لُؤلُؤَةٍ فِيها لَتُضِيءُ ما بَينَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ » .
وقوله تعالى : { لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد } خبر بأنهم يعطون آمالهم أجمع . ثم أبهم تعالى الزيادة التي عنده للمؤمنين المنعمين ، وكذلك هي مبهمة في قوله تعالى : { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين }{[10558]} [ السجدة : 17 ] وقد فسر ذلك الحديث الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم : «يقول الله تعالى : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر بل ما أطلعتهم عليه » . وقد ذكر الطبري وغيره في تعيين هذا المزيد أحاديث مطولة وأشياء ضعيفة ، لأن الله تعالى يقول : { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم } [ السجدة : 17 ] وهم يعينونها تكلفاً وتعسفاً . وروي عن جابر بن عبد الله وأنس بن مالك أن المزيد : النظر إلى وجه الله تعالى بلا كيف .
إن جملة { لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد } يجوز أن تكون من بقية ما يقال للمتقين ابتداء من قوله : { هذا ما توعدون لكل أوّاب حفيظ } فيكون ضمير الغيبة التفاتاً وأصله : لكم ما تشاؤون . ويجوز أن تكون مما خوطب به الفريقان في الدنيا وعلى الاحتمالين فهي مستأنفة استئنافاً بيانياً .
و { لدينا مزيد } ، أي زيادة على ما يشاؤون مما لم يخطرُ ببالهم ، وذلك زيادة في كرامتهم عند الله ووردت آثار متفاوتة القوة أن من المزيد مفاجأتهم بخيرات ، وفيها دلالة على أن المفاجأة بالإنعام ضرب من التلطف والإكرام ، وأيضاً فإن الأنعام يجيئهم في صور معجبة .
والقول في { مزيد } هنا كالقول في نظيره السابق آنفاً .
وجاء ترتيب الآيات في منتهى الدقة فبدأت بذكر إكرامهم بقوله : { وأزلفت الجنة للمتقين } ، ثم بذكر أن الجنة جزاؤهم الذي وعدوا به فهي حق لهم ، ثم أوْمَأت إلى أن ذلك لأجل أعمالهم بقوله : { لكل أوّاب حفيظ مَن خشي الرحمان } الخ ، ثم ذكرت المبالغة في إكرامهم بعد ذلك كله بقوله : { ادخلوها بسلام } ، ثم طمْأنهم بأن ذلك نعيم خالد ، وزِيد في إكرامهم بأن لهم ما يشاؤون ما لم يروه حين الدخول ، وبأن الله عدهم بالمزيد من لدنه .