ثم انتقل - سبحانه - من الحديث عن قبائحهم المتعلقة بوحدانية الله تعالى ، وبشخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحديث عن رذيلة أخرى من رذائلهم المتكاثرة ، ألا وهى إنكارهم للبعث والحساب ، فقال - تعالى - : { بَلْ كَذَّبُواْ بالساعة وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بالساعة سَعِيراً } .
أى ؛ إن هؤلاء الكافرين لم يكتفوا باتخاذ آلهة من دون الله - تعالى - ، ولم يكتفوا بالسخرية من رسوله صلى الله عليه وسلم بل أضافوا إلى ذلك أنهم كذبوا بيوم القيامة وما فيه من بعث وحشر وثواب وعقاب . والحال أننا بقدرتنا وإرادتنا قد أعددنا وهيأنا لمن كذب بهذا اليوم سعيرا . أى : نارا عظيمة شديدة الاشتعال .
وقال - سبحانه - : { وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بالساعة } ولم يقل : لمن كذب بها . للمبالغة فى التشنيع عليهم ، والزجر لهم ، إذ أن التكذيب بها كفر يستحق صاحبه الخلود فى النار المستعرة .
وقوله : { بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ } أي : إنما يقول هؤلاء هكذا تكذيباً وعناداً ، لا أنهم يطلبون ذلك تبصرا واسترشادا ، بل تكذيبهم بيوم القيامة يحملهم على قول ما يقولونه من هذه الأقوال ، { وأعتدنا } أي : وأرصدنا { لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا } أي : عذابا أليماً حاراً لا يطاق في نار جهنم .
وقال الثوري ، عن سلمة بن كُهَيْل ، عن سعيد بن جبير : " السَّعِير " : واد من قيح جهنم .
القول في تأويل قوله تعالى : { بَلْ كَذّبُواْ بِالسّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذّبَ بِالسّاعَةِ سَعِيراً * إِذَا رَأَتْهُمْ مّن مّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيّظاً وَزَفِيراً } .
يقول تعالى ذكره : ما كذّب هؤلاء المشركون بالله وأنكروا ما جئتهم به يا محمد من الحقّ ، من أجل أنك تأكل الطعام وتمشي في الأسواق ، ولكن من أجل أنهم لا يوقنون بالمعاد ولا يصدّقون بالثواب والعقاب ، تكذيبا منهم بالقيامة وبعث الله الأموات أحياء لحشر القيامة . وأَعْتَدْنا يقول : وأعددنا لمن كذّب ببعث الله الأموات أحياء بعد فنائهم لقيام الساعة ، نارا تسّعر عليهم وتتقد . إذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ يقول : إذا رأت هذه النار التي أعتدناها لهؤلاء المكذّبين أشخاصَهم من مكان بعيد ، تغيظت عليهم وذلك أن تغلى وتفور . يقال : فلان تغيظ على فلان ، وذلك إذ غضب عليه فَغَلَى صدره من الغضب عليه وتبين في كلامه . وزفيرا ، وهو صوتها .
فإن قال قائل : وكيف قيل : سَمِعُوا لَهَا تَغَيّظا والتغيظ : لا يسمع ؟ قيل : معنى ذلك : سمعوا لها صوت التغيظ ، من التلهب والتوقد .
حدثني محمود بن خداش ، قال : حدثنا محمد بن يزيد الواسطيّ ، قال : حدثنا أصبع بن زيد الورّاق ، عن خالد بن كثير ، عن فُدَيك ، عن رجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ يَقُولُ عَليّ ما لَمْ أقُلْ فَلْيَتَبَوّأْ بينَ عَيْنَيْ جَهَنّمَ مَقْعَدا » قالوا : يا رسول الله ، وهل لها من عين ؟ قال : «أَلمْ تَسْمَعُوا إلى قَوْلِ اللّهِ : إذَا رأتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ ؟ » . . . الاَية .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر في قوله : سَمِعُوا لَهَا تَغَيّظا وَزَفِيرا قال : أخبرني المنصور بن المعتمر ، عن مجاهد ، عن عبيد بن عمير ، قال : إن جهنم لتزفر زفرة لا يبقى ملك ولا نبيّ إلا خرّ ترعد فرائصه حتى إن إبراهيم ليجثو على ركبتيه ، فيقول : يا ربّ لا أسألك اليوم إلا نفسي .
حدثنا أحمد بن إبراهيم الدّورقي ، قال : حدثنا عُبيد الله بن موسى ، قال : أخبرنا إسرائيل ، عن أبي يحيى ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قال : «إن الرجل ليُجَرّ إلى النار ، فتنزوي وينقبض بعضها إلى بعض ، فيقول لها الرحمن ما لك ؟ فتقول : إنه ليستجير مني فيقول : أرسلُوا عبدي وإن الرجل ليُجَرّ إلى النار ، فيقول : يا ربّ ما كان هذا الظنّ بك فيقول : فما كان ظنك ؟ فيقول : أن تسعَني رحمتك قال : فيقول أرسلوا عبدي وإن الرجل ليجَرّ إلى النار فتشهق إليه النار شُهوق البغلة إلى الشعير وتَزِفْر زفرة لا يبقى أحد إلا خاف » .
{ بل كذبوا بالساعة } فقصرت أنظارهم على الحطام الدنيوية وظنوا أن الكرامة إنما هي بالمال فطعنوا فيك لفقرك ، أو فلذلك كذبوك لا لما تمحلوا من المطاعن الفاسدة ، أو فكيف يلتفتون إلى هذا الجواب ويصدقونك بما وعد الله لك في الآخرة ، أو فلا تعجب من تكذيبهم إياك فإنه أعجب منه . { واعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا } نارا شديدة الاستعار ، وقيل هو اسم لجهنم فيكون صرفه باعتبار المكان .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.