نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{بَلۡ كَذَّبُواْ بِٱلسَّاعَةِۖ وَأَعۡتَدۡنَا لِمَن كَذَّبَ بِٱلسَّاعَةِ سَعِيرًا} (11)

ولما ثبت بما أثبت لنفسه الشريفة من الكمال أنه لا مانع من إيجاد ما ساقوه مساق التوبيخ إلا عدم المشيئة ، لا عجز من الجاعل ولا هوان بالمجعول له ، تسلية له صلى الله عليه وسلم في أسلوب مشير بأنه يعطيه ذلك ، سلاه أيضاً بأن ما نسبوه إليه لا يعتقدون حقيقته ، فأضرب عن كلامهم قائلاً : { بل } أي لا تظن أنهم كذبوا بما جئت به لأنهم يعتقدون فيك كذباً وافتراء للقرآن ، أو نقصاناً لأكلك الطعام ومشيك في الأسواق ، أو في شيء من أحوالك ، أو لا تظن أنهم يكذبون بقدرته تعالى على ما ذكر أنه إن شاء جعله لك بل ، أو المعنى : دع التفكر فيما قالوه من هذا فإنهم لم يقتصروا في التكذيب عليه بل { كذبوا بالساعة } أي بقدرتنا عليها ، واستقر ذلك في أنفسهم دهوراً طويلة ، وأخذوه خلفاً عن سلف ، وأشرب قلوبهم حب هذا الحطام الفاني ، وتقيدت أوهامهم بهذه الظواهر كالبهائم ، فعسر انفكاكهم عن ذلك بما جاءهم من البيان الذي لا يشكون فيه ، فاجترؤوا لذلك على العناد لعدم الخوف من أهوال يوم القيامة كما قال تعالى عن أهل الكتاب ( وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون }[ آل عمران : 24 ] { وأعتدنا } أي والحال أنا أعتدنا أي هيأنا بما لنا من العظمة { لمن كذب } من هؤلاء وغيرهم { بالساعة سعيراً* } أي ناراً شديدة الاتقاد بما أعظموا الحريق في قلوب من كذبوهم من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأتباعهم رضي الله عنهم