وقوله - سبحانه : { ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ في الأرض مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ } معطوف على قوله { أهلكنا } .
والخلائف جمع خليفة . وهو كل من يخلف غيره ويأتي من بعده .
أي : ثم جعلناكم أيها المكلفون باتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - خلفاء في الأرض من بعد أولئك الأقوام المهلكين لنرى ونشاهد ونعلم أي عمل تعملون في خلافتكم فنجازيكم على ذلك الجزاء المناسب الذي تقتضيه حكمتنا وإرادتنا ، و { كيف } مفعول مطلق ل { تعملون } لا { لننظر } لأن الاستفهام له الصدارة ، فلا يعمل فيه ما قبله .
قال الآلوسى : واستعمال النظر بمعنى العلم مجاز ، حيث شبه بنظر الناظر . وعيان المعاين في تحققه . والمراد نعاملكم معاملة من يطلب العلم بأعمالكم ليجازيكم بحسبها ، كقوله - تعالى - { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } قال قتادة : صدق الله ربنا ، ما جعلنا خلفاء إلا لينظر إلى أعمالنا ، فأروا الله من أعمالكم خيرا ، بالليل والنهار .
أخبر تعالى عما أحلّ بالقرون الماضية ، في تكذيبهم الرسل فيما جاءوهم به من البينات والحجج الواضحات ، ثم استخلف الله هؤلاء القومَ من بعدهم ، وأرسل إليهم رسولا لينظر طاعتهم له ، واتباعهم رسوله ، وفي صحيح مسلم من حديث أبي نَضْرَة ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الدنيا حلوة خَضِرة ، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر ماذا تعملون ، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء ؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء " {[14093]} . وقال ابن جرير : حدثني المثنى ، حدثنا زيد بن عوف أبو ربيعة فهد{[14094]} حدثنا حماد ، عن ثابت
البُناني ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ؛ أن عوف بن مالك قال لأبي بكر : رأيت فيما يرى النائم كأن سَبَبًا دُلِّي من السماء ، فانتُشط رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أعيد ، فانتُشط أبو بكر ، ثم ذُرعَ{[14095]} الناس حول المنبر ، ففضل عمر بثلاث أذرع إلى المنبر . فقال عمر : دعنا من رؤياك ، لا أرَبَ لنا فيها ! فلما استخلف عمر قال : يا عوف ، رؤياك ! فقال : وهل لك في رؤياي من حاجة ؟ أولم تنتهرني{[14096]} ؟ فقال : ويحك ! إني : كرهت أن تنعَى لخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه ! فقصّ عليه الرؤيا ، حتى إذا بلغ : " ذُرع{[14097]} الناس إلى المنبر بهذه الثلاث الأذرع " ، قال : أما إحداهن فإنه كائن خليفة . وأما الثانية فإنه لا يخاف في الله لومة لائم . وأما الثالثة فإنه شهيد . قال : فقال : يقول الله تعالى : { ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ } فقد استُخلفت{[14098]} يا ابن أم عمر ، فانظر كيف تعمل ؟ وأما قوله : " فإني لا أخاف في الله لومة لائم " ، فما شاء الله ! وأما قوله : [ إني ]{[14099]} شهيد فَأَنَّى لعمر الشهادة والمسلمون مطيفون به{[14100]} .
القول في تأويل قوله تعالى : { ثُمّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ } .
يقول تعالى ذكره : ثُمّ جَعَلْناكُمْ أيها الناس خَلائِفَ من بعد هؤلاء القرون الذين أهلكناهم لما ظلموا تخلفونهم فِي الأرْضِ وتكونون فيها بعدهم . لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلونَ يقول : لينظر ربكم أين عملكم من عمل من هلك من قبلكم من الأمم بذنوبهم وكفرهم بربهم ، تحذون مثالهم فيه ، فتستحقون من العقاب ما استحقوا ، أم تخالفون سبيلهم ، فتؤمنون بالله ورسوله ، وتقرّون بالبعث بعد الممات ، فتستحقون من ربكم الثواب الجزيل . كما :
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ثُمّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الأرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلونَ ذكر لنا أن عُمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : صدق ربنا ما جعلنا خلفاء إلا لينظر كيف أعمالنا ، فأروا الله من أعمالكم خيرا ، بالليل والنهار والسرّ والعلانية .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا زيد بن عوف أبو ربيعة بهذا ، قال : حدثنا حماد ، عن ثابت البناني ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، أن عوف بن مالك رضي الله عنه قال لأبي بكر رضي الله عنه : رأيت فيما يرى النائم كأن سببا دُلي من السماء فانتشط رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم دلي فانتشط أبو بكر ، ثم ذرع الناس حول المنبر ، ففضل عمر رضي الله عنه بثلاث أذرع إلى المنبر فقال عمر : دعنا من رؤياك لا أرب لنا فيها فلما استخلف عمر قال : يا عوف رؤياك ؟ قال : وهل لك في رؤياي من حاجة ، أو لم تنتهرني ؟ قال : ويحك إني كرهت أن تنعي لخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه فقصّ عليه الرؤيا ، حتى إذا بلغ ذرع الناس إلى المنبر بهذه الثلاث الأذرع ، قال : أما إحداهنّ فإنه كائن خليفة ، وأما الثانية فإنه لا يخاف في الله لومة لائم ، وأما الثالثة فإنه شهيد . قال : فقال يقول الله : ثُمّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الأرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلونَ فقد استخلفت يا ابن أم عمر ، فانظر كيف تعمل وأما قوله : «فإنّي لا أخافُ في الله لَوْمَة لائمٍ » فما شاء الله ، وأما قوله : «فانّي شَهِيدٌ » فأنى لعمر الشهادة والمسلمون مطيفون به ثم قال «إنّ اللّهَ على ما يَشاءُ قَدِيرٌ » .
{ ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم } استخلفناكم فيها بعد القرون التي أهلكناها استخلاف من يختبر . { لننظُر كيف تعملون } أتعملون خيرا أو شرا فنعاملكم على مقتضى أعمالكم ، وكيف معمول تعملون فإن معنى الاستفهام يحجب أن يعمل فيه ما قبله ، وفائدته الدلالة على أن المعتبر في الجزاء جهات الأفعال وكيفياتها لا هي من حيث ذاتها ولذلك يحسن الفعل تارة ويقبح أخرى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.