قوله تعالى : { والذين هم لأماناتهم } قرأ ابن كثير لأمانتهم على التوحيد هاهنا وفي سورة المعارج ، كقوله تعالى : { وعهدهم } والباقون بالجمع ، كقوله عز وجل : { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } { وعهدهم راعون } حافظون ، أي : يحفظون ما ائتمنوا عليه ، والعقود التي عاقدوا الناس عليها ، يقومون بالوفاء بها ، والأمانات تختلف فتكون بين الله تعالى وبين العبد كالصلاة والصيام والعبادات التي أوجبها الله عليه ، ويكون بين العبيد كالودائع والصنائع فعلى العبد الوفاء بجميعها .
أما الصفة الخامسة من صفات هؤلاء المفلحين ، فقد عبر عنها - سبحانه - بقوله : { والذين هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ } .
والأمانات : جمع أمانة ، وتشمل كل ما استودعك الله - تعالى إياه ، وأمرك بحفظه .
فتشمل جميع التكاليف التى كلفنا الله بأدائها كما تشمل الأموال المودعة ، والأيمان والنذور والعقود وما يشبه ذلك .
والعهود : جمع عهد . ويتناول كل ما طلب منك الوفاء به من حقوق الله - تعالى - وحقوق الناس .
قال القرطبى : والأمانة والعهد يجمع كل ما يحمله الإنسان من أمر دينه ودنياه ، قولاً وفعلاً ، وهذا يعم معاشرة الناس والمواعيد وغير ذلك . وغاية ذلك حفظه والقيام به . والأمانة أعم من العهد وكل عهد فهو أمانة فيما تقدم فيه قول أو فعل أو معتقد " .
وراعون : من الرعى بمعنى الحفظ يقال : رعى الأمير رعيته رعاية ، إذا حفظها واهتم بشئونها .
أى : أن من صفات هؤلاء المفلحين . أنهم يقومون بحفظ ما ائتمنوا عليه من أمانات ، ويوفون بعهودهم مع الله - تعالى - ومع الناس ، ويؤدون ما كلفوا بأدائه بدون تقصير أو تقاعس .
وذلك لأنه لا تستقيم حياة أمة من الأمم . إلا إذا أديت فيها الأمانات ، وحفظت فيها العهود ، واطمأن فيها كل صاحب حق إلى وصول هذا الحق إليه .
( والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون )راعون لأماناتهم وعهدهم أفرادا ؛ وراعون لأماناتهم وعهدهم جماعة . .
والأمانات كثيرة في عنق الفرد وفي عنق الجماعة ؛ وفي أولها أمانة الفطرة ؛ وقد فطرها الله مستقيمة متناسقة مع ناموس الوجود الذي هي منه وإليه شاهدة بوجود الخالق ووحدانيته ، بحكم إحساسها الداخلي بوحدة الناموس الذي يحكمها ويحكم الوجود ، ووحدة الإرادة المختارة لهذا الناموس المدبرة لهذا الوجود . . والمؤمنون يرعون تلك الأمانة الكبرى فلا يدعون فطرتهم تنحرف عن استقامتها ، فتظل قائمة بأمانتها شاهدة بوجود الخالق ووحدانيته . ثم تأتي سائر الأمانات تبعا لتلك الأمانة الكبرى .
والعهد الأول هو عهد الفطرة كذلك . هو العهد الذي قطعه الله على فطرة البشر بالإيمان بوجوده وبتوحيده . وعلى هذا العهد الأول تقوم جميع العهود والمواثيق . فكل عهد يقطعه المؤمن يجعل الله شهيدا عليه فيه ، ويرجع في الوفاء به إلى تقوى الله وخشيته .
والجماعة المسلمة مسؤولة عن أماناتها العامة ، مسؤولة عن عهدها مع الله تعالى ، وما يترتب على هذا العهد من تبعات . والنص يجمل التعبير ويدعه يشمل كل أمانة وكل عهد . ويصف المؤمنين بأنهم لأماناتهم وعهدهم راعون . فهي صفة دائمة لهم في كل حين . وما تستقيم حياة الجماعة إلا أن تؤدى فيها الأمانات ؛ وترعى فيها العهود ؛ ويطمئن كل من فيها إلى هذه القاعدة الأساسية للحياة المشتركة ، الضرورية لتوفير الثقة والأمن والاطمئنان .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَالّذِينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالّذِينَ هُمْ عَلَىَ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلََئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ } .
يقول تعالى ذكره : وَالّذِينَ هُمْ لأَماناتِهمْ التي ائتمنوا عليها وعهدهم ، وهو عقودهم التي عاقدوا الناس راعُونَ يقول : حافظون لا يضيعون ، ولكنهم يوفون بذلك كله .
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الأمصار إلا ابن كثير : وَالّذِينَ هُمْ لأَماناتِهِمْ على الجمع . وقرأ ذلك ابن كثير : «لأَمانَتِهِم » على الواحدة .
والصواب من القراءة في ذلك عندنا : لأَماناتِهِمْ لإجماع الحجة من القرّاء عليها .
قرأ جمهور الناس «لأماناتهم » بالجمع ، وقرأ ابن كثير «لأمانتهم » بالإفراد ، والأمانة العهد تجمع كل ما تحمله الإنسان من أمر دينه ودنياه قولاً وفعلاً ، وهذا يعم معاشرة الناس والمواعيد وغير ذلك ، ورعاية ذلك حفظه والقيام به ، والأمانة أعم من العهد ، إذ كل عهد فهو أمانة فيما تقدم فيه قول أو فعل أو معتقد ، وقد تعن أمانة فيما لم يعهد فيه تقدم ، وهذا إذا أخذناهما بنسبتهما إلى العبد ، فإن أخذناهما من حيث هما{[8456]} عهد الله إلى عباده وأمانته التي حملهم كانا في رتبة واحدة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.