{ لاَّ تَدْعُواْ اليوم ثُبُوراً وَاحِداً وادعوا ثُبُوراً كَثِيراً } . أى : اتركوا اليوم طلب الهلاك الواحد . واطلبوا هلاكا كثيرا لا غاية لكثرته ، ولا منتهى لنهايته .
قال صاحب الكشاف : قوله : { وادعوا ثُبُوراً كَثِيراً } أى : أنكم وقعتم فيما ليس ثبوركم فيه واحدا ، وإنما هو ثبور كثير ، إما لأن العذاب أنواع وألوان كل نوع منها ثبور لشدته وفطاعته ، أو لأنهم كلما نضجت جلودهم بدلوا غيرها ، فلا غاية لهلاكهم .
{ لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا } وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد{[21421]} عن أنس بن مالك ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أول من يُكسَى حُلَّةً من النار إبليس ، فيضعها على حاجبيه ، ويسحبها منْ خَلْفه ، وذريته من بعده ، وهو ينادي : يا ثبوراه ، وينادون : يا ثبورهم . حتى يقفوا على النار ، فيقول : يا ثبوراه . ويقولون : يا ثبورهم . فيقال لهم : لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا ، وادعوا ثبورا كثيرا " .
لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة ، ورواه ابن أبي حاتم ، عن أحمد بن سِنَان ، عن عفان ، به : ورواه ابن جرير ، من حديث حماد بن سلمة به{[21422]}
وقال العوفي ، عن ابن عباس في قوله : { لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا } أي : لا تدعوا اليوم ويلا واحداً ، وادعوا ويلا{[21423]} كثيرا .
وقال الضحاك : الثبور : الهلاك .
والأظهر : أن الثبور يجمع الهلاك والويل والخسار والدمار ، كما قال موسى لفرعون : { وَإِنِّي لأظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا } [ الإسراء : 102 ] أي : هالكا . وقال عبد الله بن الزبَعْرى :
إذْ أجَاري الشَّيطانَ في سَنَن الغ*** يِّ ، وَمنْ مَالَ مَيْلَهُ{[21424]} مَثْبُورُ{[21425]}
وقوله : لا تَدْعُوا اليَوْمَ أيها المشركون ندما واحدا : أي مرّة واحدة ، ولكن ادعوا ذلك كثيرا . وإنما قيل : لا تَدْعُوا اليَوْمَ ثُبُورا وَاحِدا لأن الثبور مصدر ، والمصادر لا تجمع ، وإنما توصف بامتداد وقتها وكثرتها ، كما يقال : قعد قعودا طويلاً ، وأكل أكلاً كثيرا .
حدثنا محمد بن مرزوق ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا حماد ، قال : حدثنا عليّ بن زيد ، عن أنس بن مالك ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «أوّلُ مَنْ يُكْسَى حُلّةً مِنَ النّارِ إبْلِيسُ ، فَيَضَعُها عَلى حاجِبَيْهِ ، وَيَسْحَبُها مِنْ خَلْفِهِ ، وَذُرّيّتُهُ مِنْ خَلْفِهِ ، وَهُوَ يَقُولُ : يا ثُبُورَاه وَهُمْ يُنادُونَ : يا ثُبُورَهُمْ حتى يَقِفُوا عَلى النّارِ ، وَهُوَ يَقُولُ : يا ثُبُورَاهُ وَهُمْ يُنادُونَ : يا ثُبُورَهُمْ فَيُقالُ : لا تَدْعُوا اليَوْمَ ثُبُورا وَاحدا وَادْعُوا ثُبُورا كَثِيرا » .
وقوله { ثبوراً } مصدر وليس بالمدعو ، ومفعول { دعوا } محذوف تقديره دعوا من لا يجيبهم أو نحو هذا من التقديرات ، ويصح أن يكون » الثبور «هو المدعو كما تدعى الحسرة والويل ، والثبور قال ابن عباس هو الويل ، وقال الضحاك هو الهلاك ومنه قول ابن الزبعرى : [ الخفيف ]
إذ أجاري الشيطان في سنن الغ . . . ي ومن مال ميله مثبور{[8790]}
وقوله { لا تدعوا } إلى آخر الآية معناه يقال لهم على معنى التوبيخ والإعلام بأنهم يخلدون أي لا تقتصروا على حزن واحد بل احزنوا كثيراً لأنكم أهل لذلك .