ثم قال - تعالى - : { وَإِذَا الموءودة سُئِلَتْ . بِأَىِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ } ولفظ " الموءودة " من الوأد ، وهو دفن الطفلة الحية .
قال صاحب الكشاف وأد يئد مقلوب من آد يؤود : إذا أثقل . قال - تعالى - { وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا } لأنه إثقال بالتراب .
فإن قلت : ما حملهم على وأد البنات ؟ قلت : الخوف من لحوق العار بهم من أجلهن ، أو الخوف من الإِملاق .
فإن قلت : فما معنى سؤال الموءودة عن ذنبها الذى قتلت به ؟ وهلا سئل الوائد عن موجب قتله لها ؟ قلت : سؤالها وجوابها تبكيت لقاتلها ، نحو التبكيت - لقوم عيسى - فى قوله - تعالى - لعيسى :
{ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتخذوني وَأُمِّيَ إلهين مِن دُونِ الله } أى : وإذا الموءودة سئلت ، على سبيل التبكيت والتقريع لمن قتلها ، بأى سبب من الأسباب قتلك قاتلك .
ولا شك أنها لم ترتكب ما يوجب قتلها ، وإنما القصد من ذلك إلزام قائلها الحجة ، حتى يزداد افتضاحا على افتضاحه .
وقد حكى القرآن فى كثير من الآيات ، ما كان يفعله أهل الجاهلية من قتلهم للبنات ، ومن ذلك قوله - تعالى - : { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بالأنثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ . يتوارى مِنَ القوم مِن سواء مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ على هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التراب أَلاَ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } ولم يكن الوأد معمولا به عند جميع قبائل العرب ، فقريش - مثلا - لم يعرف عنها ذلك وإنما عرف فى قبائل ربيعة ، وكنده ، وتميم . ولكنهم لما كانوا جميعا راضين عن هذا الفعل ، جاء الحكم عاما فى شأن أهل الجاهلية .
وإذا الموءودة سئلت : بأي ذنب قتلت ? وقد كان من هوان النفس الإنسانية في الجاهلية أن انتشرت عادة وأد البنات خوف العار أو خوف الفقر . وحكى القرآن عن هذه العادة ما يسجل هذه الشناعة على الجاهلية ، التي جاء الإسلام ليرفع العرب من وهدتها ، ويرفع البشرية كلها . فقال في موضع : ( وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم . يتوارى من القوم من سوء ما بشر به . أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ? ألا ساء ما يحكمون ! ) . . وقال في موضع : وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا [ أي البنات ] ظل وجهه مسودا وهو كظيم . أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين ? . . وقال في موضع ثالث : ( ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم ) . .
وكان الوأد يتم في صورة قاسية . إذ كانت البنت تدفن حية ! وكانوا يفتنون في هذا بشتى الطرق . فمنهم من كان إذا ولدت له بنت تركها حتى تكون في السادسة من عمرها ، ثم يقول لأمها : طيبيها وزينيها حتى أذهب بها إلى أحمائها ! وقد حفر لها بئرا في الصحراء ، فيبلغ بها البئر ، فيقول لها : انظري فيها . ثم يدفعها دفعا ويهيل التراب عليها ! وعند بعضهم كانت الوالدة إذا جاءها المخاض جلست فوق حفرة محفورة . فإذا كان المولود بنتا رمت بها فيها وردمتها . وإن كان ابنا قامت به معها ! وبعضهم كان إذا نوى ألا يئد الوليدة أمسكها مهينة إلى أن تقدر على الرعي ، فيلبسها جبة من صوف أو شعر ويرسلها في البادية ترعى له إبله !
فأما الذين لا يئدون البنات ولا يرسلونهن للرعي ، فكانت لهم وسائل أخرى لإذاقتها الخسف والبخس . . كانت إذا تزوجت ومات زوجها جاء وليه فألقى عليها ثوبه . ومعنى هذا أن يمنعها من الناس فلا يتزوجها أحد فإن أعجبته تزوجها ، لا عبرة برغبتها هي ولا إرادتها ! وإن لم تعجبه حبسها حتى تموت فيرثها . أو أن تفتدي نفسها منه بمال في هذه الحالة أو تلك . . وكان بعضهم يطلق المرأة ويشترط عليها ألا تنكح غيره إلا من أراد . إلا أن تفتدي نفسها منه بما كان أعطاها . . وكان بعضهم إذا مات الرجل حبسوا زوجته على الصبي فيهم حتى يكبر فيأخذها . . وكان الرجل تكون اليتيمة في حجره يلي أمرها ، فيحبسها عن الزواج ، رجاء أن تموت امرأته فيتزوجها ! أو يزوجها من ابنه الصغير طمعا في مالها أو جمالها . .
فهذه كانت نظرة الجاهلية إلى المرأة على كل حال . حتى جاء الإسلام . يشنع بهذه العادات ويقبحها . وينهى عن الوأد ويغلظ فعلته . ويجعلها موضوعا من موضوعات الحساب يوم القيامة . يذكره في سياق هذا الهول الهائج المائج ، كأنه حدث كوني من هذه الأحداث العظام . ويقول : إن الموءودة ستسأل عن وأدها . . فكيف بوائدها ? !
وما كان يمكن أن تنبت كرامة المرأة من البيئة الجاهلية أبدا ؛ لولا أن تتنزل بها شريعة الله ونهجه في كرامة البشرية كلها ، وفي تكريم الإنسان : الذكر والأنثى ؛ وفي رفعه إلى المكان اللائق بكائن يحمل نفخة من روح الله العلي الأعلى . فمن هذا المصدر انبثقت كرامة المرأة التي جاء بها الإسلام ، لا من أي عامل من عوامل البيئة .
وحين تحقق ميلاد الإنسان الجديد باستمداد القيم التي يتعامل بها من السماء لا من الأرض ، تحققت للمرأة الكرامة ، فلم يعد لضعفها وتكاليف حياتها المادية على أهلها وزن في تقويمها وتقديرها . لأن هذه ليست من قيم السماء ولا وزن لها في ميزانها . إنما الوزن للروح الإنساني الكريم المتصل بالله . وفي هذا يتساوى الذكر والأنثى .
وحين تعد الدلائل على أن هذا الدين من عند الله ، وأن الذي جاء به رسول أوحي إليه . . تعد هذه النقلة في مكانة المرأة إحدى هذه الدلائل التي لا تخطئ . حيث لم تكن توجد في البيئة أمارة واحدة ينتظر أن تنتهي بالمرأة إلى هذه الكرامة ؛ ولا دافع واحد من دوافع البيئة وأحوالها الاقتصادية بصفة خاصة لولا أن نزل النهج الإلهي ليصنع هذا ابتداء بدافع غير دوافع الأرض كلها ، وغير دوافع البيئة الجاهلية بصفة خاصة . فأنشأ وضع المرأة الجديد إنشاء ، يتعلق بقيمة سماوية محضة وبميزان سماوي محض كذلك !
وقوله : وَإذَا المَوْءُودةُ سُئِلَتْ بأيّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ؟ : اختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأه أبو الضّحى مسلم بن صبيح : «وَإذَا المَوْءُودَةُ سأَلَتْ بأيّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ » ؟ بمعنى : سألت الموءودة الوائدين : بأيّ ذنب قتلوها . ذكر الرواية بذلك :
حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن مسلم ، في قوله : وَإذَا المَوْءُودَةُ سُئِلَتْ ؟ قال : طلبت بدمائها .
حدثنا سوّار بن عبد الله العنبري ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن الأعمش ، قال : قال أبو الضحى : «وَإذَا المَوْءُودَةُ سأَلَتْ » ؟ قال : سألت قتلتها .
ولو قرأ قارىء ممن قرأ «سأَلَتْ بِأيّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ » كان له وجه ، وكان يكون معنى ذلك معنى من قرأ بِأيّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ غير أنه إذا كان حكاية جاز فيه الوجهان ، كما يقال : قال عبد الله بأيّ ذنب ضُرب كما قال عَنترة :
الشّاتِمَيْ عِرْضِي ولم أشْتُمْهُما *** والنّاذِرَيْن إذَا لَقِيتُهُما دَمي
وذلك أنهما كانا يقولان : إذا لقينا عنترة لنقتلنّه . فحكى عنترة قولهما في شعره وكذلك قول الاَخر :
رَجُلانِ مِنْ ضَبّةَ أخْبَرَانا *** إنّا رأيْنا رَجُلاً عُرْيانا
بمعنى : أخبرانا أنهما ، ولكنه جرى الكلام على مذهب الحكاية . وقرأ ذلك بعض عامة قرّاء الأمصار : وإذَا المَوْءدَةُ سُئِلَتْ بِأيّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ بمعنى : سُئلت الموءودة بأيّ ذنب قُتلت ، ومعنى قُتلت : قتلت ، غير أن ذلك ردّ إلى الخبر على وجه الحكاية على نحو القول الماضي قبل ، وقد يتوجه معنى ذلك إلى أن يكون : وإذا الموءودة سئلت قَتَلتُها ووائدوها ، بأيّ ذنب قتلوها ؟ ثم ردّ ذلك إلى ما لم يسمّ فاعله ، فقيل : بأيّ ذنب قُتِلَت .
وأولى القراءتين في ذلك عندنا بالصواب : قراءة من قرأ ذلك سُئِلَتْ بضم السين بِأيّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ على وجه الخبر ، لإجماع الحجة من القرّاء عليه . والموءودة : المدفونة حية ، وكذلك كانت العرب تفعل ببناتها ومنه قول الفرزدق بن غالب :
ومِنّا الّذي أحْيا الوَئِيدَ وَغائِبٌ *** وعَمْرٌو ، ومنّا حامِلونَ وَدافِعُ
يقال : وأده فهو يئده وأدا ، ووأدة . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَإذَا المَوْءُودَةُ سُئِلَتْ : هي في بعض القراءات : «سأَلَتْ بأيّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ؟ » لا بذنب ، كان أهل الجاهلية يقتل أحدهم ابنته ، ويغذو كلبه ، فعاب الله ذلك عليهم .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : جاء قيس بن عاصم التميميّ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : إني وَأَدت ثماني بنات في الجاهلية ، قال : «فأعْتِقْ عَنْ كُلّ وَاحِدَةٍ بَدَنَةً » .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبيه ، عن أبي يَعلى ، عن الربيع بن خيثم وَإذَا المَوْءُودَةُ سُئِلَتْ قال : كانت العرب من أفعل الناس لذلك .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبيه ، عن أبي يعَلى ، عن ربيع بن خيثم بمثله .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَإذَا المَوْءُودَةُ سُئِلَتْ قال : البنات التي كانت طوائف العرب يقتلونهنّ ، وقرأ : بأيّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ .
وإذا الموءودة المدفونة حية وكانت العرب تئد البنات مخافة الإملاق أو لحوق العار بهم من أجلهم سئلت .
بأي ذنب قتلت تبكيتا لوائدها كتبكيت النصارى بقوله تعالى لعيسى عليه الصلاة والسلام ( أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ) وقرئ سألت أي خاصمت عن نفسها وسألت وإنما قيل قتلت على الإخبار عنها وقرئ قتلت على الحكاية .
ثم اختلف هؤلاء فقرأ أكثرهم : «قَتلْتَ » بفتح التاء وسكون اللام ، وقرأ أبو جعفر : «قتّلت » بشد التاء على المبالغة ، وقرأ ابن عباس وجابر وأبو الضحى ومجاهد : «قتلْتُ » بسكون اللام وضم التاء ، وقرأ الأعرج والحسن : «سيلت » بكسر السين وفتح اللام دون همز ، واستدل ابن عباس بهذه الآية في أن أولاد المشركين في الجنة لأن الله تعالى قد انتصر لهم من ظلمهم
وجملة : { بأي ذنب قتلت } بيان لجملة { سئلت } .
و ( أي ) اسم استفهام يطلب به تميز شيء من بين أشياء تشترك معه في حال .
والاستفهام في { بأي ذنب } تقريري ، وإنما سئلت عن تعيين الذنب الموجب قتلها دون أن تُسأل عن قاتلها لزيادة التهديد لأن السؤال عن تعيين الذنب مع تحقق الوائد الذي يسمع ذلك السؤال أن لا ذنب لها إشعار للوائد بأنه غير معذور فيما صنع بها .
وينتزع من قوله تعالى : { سئلت بأي ذنب قتلت } الواردِ في سياق نفي ذنب عن الموءودة يوجب قتلها استدلالٌ على أنّ من ماتوا من أطفال المشركين لا يعتبرون مشركين مثل آبائهم ، وأول من رأيته تعرض لهذا الاستدلال الزمخشري في « الكشاف » . وذكر أن ابن عباس استدل على هذا المعنى قال في « الكشاف » : « وفيه دليل على أن أطفال المشركين لا يعذَّبون وإذأ بكَّتَ الله الكافر ببراءة الموءودة من الذنب فما أقبح به وهو الذي لا يَظلِم مثقال ذرة أن يكر على هذا التبكيت فيفعل بها ما تنسى عنده فِعل المبكّت من العذاب السرمدي . وعن ابن عباس أنه سئل عن ذلك فاحتج بهذه الآية ا ه . فأشار إلى ثلاثة أدلة :
أحدها : دلالة الإِشارة ، أي لأن قوله تعالى : { بأي ذنب قتلت } يشير إلى أنها لا ذنب لها ، وهذا استدلال ضعيف لأن الذنب المنفي وجودُه بطريقة الاستفهام المشوب بإنكار إنما هو الذنب الذي يخول لأبيها وأدها لا إثباتَ حرمتها وعصمة دمها فتلك قضية أخرى على تفصيل فيها .
الثاني : قاعدة إحالة فعل القبيح على الله تعالى على قاعدة التحسين ، والتقبيح عند المعتزلة وإحالتهم الظلم على الله إذا عذب أحداً بدون فعله ، وهو أصل مختلف فيه بين الأشاعرة والمعتزلة . فعندنا أنَّ تصرف الله في عبيده لا يوصف بالظلم خلافاً لهم على أن هذا الدليل مبنيٌّ على أساس الدليل الأول وقد علمت أنه غير سالم من النقض .
الثالث : ما نسبه إلى ابن عباس وهو يشير إلى ما أخرجه ابن أبي حاتم بسنده إلى عكرمة أنه قال : قال ابن عباس : أطفال المشركين في الجنة ، فمن زعم أنهم في النار فقد كذَّب بقول الله تعالى : { وإذا الموؤدة سئلت بأي ذنب قتلت } . وقد أجيب عن القول المروي عن ابن عباس بأنه لم يبلغ مبلغ الصحّة . وهذه مسألة من أصول الدين لا يكتفى فيها إلا بالدليل القاطع .
واعلم أن الأحاديث الصحيحة في حكم أطفال المشركين متعارضة ، فروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة وابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن أولاد أو ذراري المشركين .
فقال : " الله أعلم بما كانوا عاملين " وهذا الجواب يحتمل الوقف عن الجواب ، أي الله أعلم بحالهم كقول موسى عليه السلام : { علمُها عند ربي في كتاب } [ طه : 52 ] جواباً لقول فرعون : { فما بال القرون الأولى } [ طه : 51 ] . ويحتمل أن المعنى الله أعلم بحال كل واحد منهم لو كبر مَاذا يكون عاملاً من كفر أو إيمان ، أي فيعامله بما علم من حاله .
وأخرج البخاري ومسلم ( ببعض اختلاف في اللفظ ) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كل مولود يولد على الفِطرة فأبواه يُهودانه ، أو ينصرانه أو يمجسانه " الحديث . زاد في رواية مسلم : ثُم يقول ( أي أبو هريرة ) اقرأوا : { فطرت اللَّه التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق اللَّه ذلك الدين القيم } [ الروم : 30 ] فيقتضي أنهم يولدون على فطرة الإسلام حتى يدخل عليه من أبويه أو قريبه أو قرينه ما يُغيره عن ذلك وهذا أظهر ما يستدل به في هذه المسألة .
وقال المازري في « المعلم » : فاضطرب العلماء فيهم . والأحاديث وردت ظواهرها مختلفة واختلاف هذه الظواهر سَبب اضطراب العلماء في ذلك والقطع ههنا يبعُد ا ه .
وقول أبي هريرة : واقرأوا : { فطرت اللَّه التي فطر الناس عليها } الخ مصباح ينير وجه الجمع بين هذه الأخبار : وقد ورد في حديث الرؤيا عن سمرة بن جندب ما هو صريح في ذلك إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " وأما الرجل الذي في الروضة فإنه إبراهيم عليه السلام وأما الوِلْدَانُ الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة " . قال سمرة فقال بعض المسلمين : يا رسول الله " وأولادُ المشركين ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولادُ المشركين " . واختلفت أقوال العلماء في أولاد المشركين فقال ابن المبارك وحمّاد بن سلمة وحمّاد بن زيد وإسحاق بن راهويه والشافعي هُم في مشيئة الله . والصحيح الذي عليه المحققون والجمهور أنهم في الجنة وهو ظاهر قول أبي هريرة . وذهب الأزارقة إلى أن أولاد المشركين تبع لآبائهم ، وقال أبو عبيد : سألت محمد بن الحسن عن حديث : " كل مولود يولد على الفطرة " فقال : كان ذلك أول الإِسلام قبل أن تنزل الفرائض وقبل أن يفرض الجهاد . قال أبو عبيد : كأنه يعني أنه لو ولد على الفطرة لم يَرِثاه لأنه مسلم وهما كافران فلما فرضت الفرائض على خلاف ذلك جاز أن يسمى كافراً وعلم أنه يولد على دينهما .
وهنالك أقوال أخرى كثيرة غير معزوة إلى معيّن ولا مستندة لأثر صحيح .
وذكر المازري : أن أطفال الأنبياء في الجنة بإجماع وأن جمهور العلماء على أن أطفال بقية المؤمنين في الجنة وبعض العلماء وقف فيهم ، وقال النووي : أجمع من يُعتد به من علماء المسلمين على أن من مات من أطفال المسلمين فهو من أهل الجنة .
وقرأ الجمهور : « قُتلت » بتخفيف المثناة الأولى ، وقرأه أبو جعفر بتشديدها وهي تفيد معنى أنه قَتْل شديد فظيع .