التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{بِأَيِّ ذَنۢبٖ قُتِلَتۡ} (9)

ثم قال - تعالى - : { وَإِذَا الموءودة سُئِلَتْ . بِأَىِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ } ولفظ " الموءودة " من الوأد ، وهو دفن الطفلة الحية .

قال صاحب الكشاف وأد يئد مقلوب من آد يؤود : إذا أثقل . قال - تعالى - { وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا } لأنه إثقال بالتراب .

فإن قلت : ما حملهم على وأد البنات ؟ قلت : الخوف من لحوق العار بهم من أجلهن ، أو الخوف من الإِملاق .

فإن قلت : فما معنى سؤال الموءودة عن ذنبها الذى قتلت به ؟ وهلا سئل الوائد عن موجب قتله لها ؟ قلت : سؤالها وجوابها تبكيت لقاتلها ، نحو التبكيت - لقوم عيسى - فى قوله - تعالى - لعيسى :

{ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتخذوني وَأُمِّيَ إلهين مِن دُونِ الله } أى : وإذا الموءودة سئلت ، على سبيل التبكيت والتقريع لمن قتلها ، بأى سبب من الأسباب قتلك قاتلك .

ولا شك أنها لم ترتكب ما يوجب قتلها ، وإنما القصد من ذلك إلزام قائلها الحجة ، حتى يزداد افتضاحا على افتضاحه .

وقد حكى القرآن فى كثير من الآيات ، ما كان يفعله أهل الجاهلية من قتلهم للبنات ، ومن ذلك قوله - تعالى - : { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بالأنثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ . يتوارى مِنَ القوم مِن سواء مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ على هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التراب أَلاَ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } ولم يكن الوأد معمولا به عند جميع قبائل العرب ، فقريش - مثلا - لم يعرف عنها ذلك وإنما عرف فى قبائل ربيعة ، وكنده ، وتميم . ولكنهم لما كانوا جميعا راضين عن هذا الفعل ، جاء الحكم عاما فى شأن أهل الجاهلية .