مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{بِأَيِّ ذَنۢبٖ قُتِلَتۡ} (9)

الثامن : قوله تعالى : { وإذا الموؤدة سئلت بأي ذنب قتلت } . فيه مسائل : المسألة الأولى : وأديئد مقلوب من آد يئود أودا ثقل قال تعالى : { ولا يؤوده حفظهما } أي يثقله ؛ لأنه إثقال بالتراب كان الرجل إذا ولدت له بنت فأراد بقاء حياتها ألبسها جبة من صوف أو شعر لترعى له الإبل والغنم في البادية ، وإن أراد قتلها تركها حتى إذا بلغت قامتها ستة أشبار فيقول لأمها طيبيها وزينيها حتى أذهب بها إلى أقاربها وقد حفر لها بئرا في الصحراء فيبلغ بها إلى البئر فيقول لها انظري فيها ثم يدفعها من خلفها ويهيل عليها التراب حتى يستوي البئر بالأرض ، وقيل : كانت الحامل إذا قربت حفرت حفرة فتمخضت على رأس الحفرة فإذا ولدت بنت رمتها في الحفرة ، وإذا ولدت ابنا أمسكته ، وههنا سؤالان :

السؤال الأول : ما الذي حملهم على وأد البنات ؟ ( الجواب ) : الخوف من لحوق العار بهم من أجلهم أو الخوف من الإملاق ، كما قال تعالى : { ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق } وكانوا يقولون : إن الملائكة بنات الله فألحقوا البنات بالملائكة ، وكان صعصعة بن ناجية ممن منع الوأد فافتخر الفرزدق به في قوله :

ومنا الذي منع الوائدات *** فأحيا الوئيد فلم توأد

السؤال الثاني : فما معنى سؤال الموؤدة عن ذنبها الذي قتلت به ، وهلا سئل الوائد عن موجب قتله لها ؟ ( الجواب ) : سؤالها وجوابها تبكيت لقاتلها ، وهو كتبكيت النصارى في قوله لعيسى : { أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق } .

المسألة الثانية : قرئ سألت ، أي خاصمت عن نفسها ، وسألت الله أو قاتلها ، وقرئ قتلت بالتشديد ، فإن قيل : اللفظ المطابق أن يقال : { سئلت بأي ذنب قتلت } .

ومن قرأ سألت فالمطابق أن يقرأ : { بأي ذنب قتلت } فما الوجه في القراءة المشهورة ؟ قلنا : ( الجواب ) : من وجهين ( الأول ) : تقدير الآية : وإذا الموؤودة سئلت [ أي سئل ] ) الوائدون عن أحوالها بأي ذنب قتلت ( والثاني ) : أن الإنسان قد يسأل عن حال نفسه عند المعاينة بلفظ المغايبة ، كما إذا أردت أن تسأل زيدا عن حال من أحواله ، فتقول : ماذا فعل زيد في ذلك المعنى ؟ ويكون زيد هو المسئول ، وهو المسئول عنه ، فكذا ههنا .