فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{بِأَيِّ ذَنۢبٖ قُتِلَتۡ} (9)

{ سئلت بأي ذنب قتلت } وقد كانت العرب إذا ولدت لأحدهم بنت دفنها حية مخافة العار أو الحاجة والإملاق ، وخشية الاستراق ، يقال وأد يئد فهو وائد والمفعول به موؤود ، وأصله مأخوذ من الثقل لأنها تدفن فيطرح عليها التراب فيثقلها فتموت ، ومنه { ولا يؤوده حفظهما } أي لا يثقله وهنا قول متمم بن نويرة * ومؤودة مقبورة في مغارة * ومنه قول الراجز :

سميتها إذ ولدت تموت *** والقبر صهر ضامن رميت

قرأ الجمهور " المؤودة " بهمزة بين واوين ساكنين كالموعودة ، وقرأ البزي في رواية عنه بهمزة مضمومة ثم واو ساكنة ، وقرأ الأعمش المودة بزنة الموزة ، وقرأ الجمهور سئلت مبنيا للمفعول ، وقرأ الحسن بكسر السين من سال يسيل ، وقرأ علي وابن مسعود وابن عباس سألت مبنيا للفاعل ، وقتلت بضم التاء الأخيرة ، وهذه قراءة شاذة .

والمعنى على الأول أن توجيه السؤال إليها لإظهار كمال الغيظ على قاتلها حتى كأنه لا يستحق أن يخاطب ويسأل عن ذلك ، وفيه تبكيت لقاتلها وتوبيخ له شديد بصرف الخطاب كقوله { أأنت قلت للناس } وهذه الطريقة أفظع في ظهور جناية القاتل وإلزام الحجة عليه .

قال الحسن أراد الله أن يوبخ قاتلها لأنها قتلت بغير ذنب ، وقيل لتدل على قاتلها وقيل لتقول بلا ذنب قتلت ، وعلى هذا هو سؤال تلطف .

وقرأ الجمهور قتلت بالتخفيف مبنيا للمفعول ، قرأ أبو جعفر بالتشديد على التكثير وقرئ بكسر التاء الثانية على أنها تاء المؤنثة المخاطبة والفعل مبني للمفعول ، وهذه قراءة شاذة وفي مصحف أبيّ وإذا الموؤودة سألت بأي ذنب قتلتني .

وفي الآية دليل على أن أطفال المشركين لا يعذبون ، وعلى أن التعذيب لا يكون بلا ذنب .

عن عمر بن الخطاب قال " جاء قيس بن عاصم التميمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني وأدت ثمان بنات لي في الجاهلية فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : فأعتق عن كل واحدة رقبة ، قال إني : صاحب إبل قال : فاهد عن كل واحدة بدنة " أخرجه البزار والحاكم في الكنى والبيهقي في سننه .