قوله تعالى : { إني آمنت بربكم فاسمعون } يعني : فاسمعوا مني ، فلما قال ذلك وثب القوم عليه وثبة رجل واحد فقتلوه . قال ابن مسعود : وطئوه بأرجلهم حتى خرج قصبه من دبره . وقال السدي : كانوا يرمونه بالحجارة وهو يقول : اللهم اهد قومي ، حتى قطعوه وقتلوه . وقال الحسن : خرقوا خرقاً في حلقه فعلقوه بسور من سور المدينة ، وقبره بأنطاكية فأدخله الله الجنة ، وهو حي فيها يرزق ، فذلك قوله { قيل ادخل الجنة }
ثم ختم حديثه معهم بإعلان إيمانه بكل صراحة وقوة فقال : { إني آمَنتُ بِرَبِّكُمْ }، الذى خلقكم ورزقكم { فاسمعون } أى : فاسمعوا ما نطقت به ، واشهدوا لى بأنى آمنتت بربكم الذى خلقكم وخلقنى ، وكفرت بهؤلاء الشركاء ، ولن أشرك معه - سبحانه - فى العبادة أحدا . مهما كانت النتائج .
وهكذا نرى الرجل الصالح الذى استقر الإِيمان فى قلبه ومشاعره ووجدانه يدافع عن الحق الذى آمن به دفاعا قويا دون أن يخشى أحد إلا الله ، ويدعو قومه بشتى الأساليب إلى اتباعه ويقيم لهم ألوانا من الأدلة على صحة ما يدعو إليه .
ثم يصارحهم فى النهاية ، ويشهدهم على هذه المصارحة ، بأنه قد آمن بما جاء به الرسل إيمانا لا يقبل الشك أو التردد ، ولا يثنيه عنه وعد أو وعيد أو إيذاء أو قتل .
ورحم الله صاحب الكشاف ، فقد أجاد فى تصوير هذه المعانى فقال ما ملخصه : قوله { اتبعوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُّهْتَدُونَ } كلمة جامعة فى الاستجابة لدعوة الرسل ، أى : لا تخسرون معهم شيئا من دنياكم ، وتربحون صحة دينكم ، فينتظم لكم خير الدنيا وخير الآخرة .
ثم أبرز الكلام فى مرض المناصحة لنفسه ، وهو يريد مناصحتهم ، وليتلطف بهم وبداريهم . . . فقال : { وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ الذي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } .
ثم قال : { إني آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فاسمعون } يريد فاسمعوا قولى وأطيعونى ، فقد نيهتكم على الصحيح الذى لا معدل عنه ، أن العبادة لا تصح إلا لمن منه مبتدؤكم وإليه مرجعكم .
والآن وقد تحدث الرجل بلسان الفطرة الصادقة العارفة الواضحة يقرر قراره الأخير في وجه قومه المكذبين المهددين المتوعدين . لأن صوت الفطرة في قلبه أقوى من كل تهديد ومن كل تكذيب :
( إني آمنت بربكم فاسمعون ) . .
وهكذا ألقى بكلمة الإيمان الواثقة المطمئنة . وأشهدهم عليها . وهو يوحي إليهم أن يقولوها كما قالها . أو أنه لايبالي بهم ماذا يقولون !
وقوله : إنّي آمَنْتُ بِرَبّكُمْ فاسمَعُونِ فاختلف في معنى ذلك ، فقال بعضهم : قال هذا القول هذا المؤمنُ لقومه يعلمهم إيمانه بالله . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق فيما بلغه ، عن ابن عباس ، وعن كعب ، وعن وهب بن منبه إنّي آمَنْتُ بِرَبّكُمْ فاسمَعُونِ إني آمنت بربكم الذي كفرتم به ، فاسمعوا قولي .
وقال آخرون : بل خاطب بذلك الرسلَ ، وقال لهم : اسمعوا قولي لتشهدوا لي بما أقول لكم عند ربي ، وأني قد آمنت بكم واتبعتكم فذكر أنه لما قال هذا القول ، ونصح لقومه النصيحة التي ذكرها الله في كتابه وثبوا به فقتلوه .
ثم اختلف أهل التأويل في صفة قتلهم إياه ، فقال بعضهم : رَجَموه بالحجارة . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَما ليَ لا أعْبُدُ الذِي فَطَرَنِي وَإلَيْهِ تُرْجَعُونَ هذا رجل دعا قومه إلى الله ، وأبدى لهم النصيحة فقتلوه على ذلك . وذُكر لنا أنهم كانوا يرجمونه بالحجارة ، وهو يقول : اللّهم اهدِ قومي ، اللهمّ اهدِ قومي ، اللهمّ اهدِ قومي ، حتى أَقْعصُوه وهو كذلك .
وقال آخرون : بل وثبوا عليه ، فوطئوه بأقدامهم حتى مات . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق فيما بلغه ، عن ابن عباس ، وعن كعب ، وعن وهب بن منبه قال لهم : وَما ليَ لا أعْبُدُ الّذِي فَطَرَنِي . . . إلى قوله : فاسمَعُونِ وثبوا وثبة رجل واحد فقتلوه واستضعفوه لضعفه وسقمه ، ولم يكن أحد يدفع عنه .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن بعض أصحابه أن عبد الله بن مسعود كان يقول : وطِئوه بأرجلهم حتى خرج قُصْبه من دُبُره .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.