المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى ٱلۡإِبِلِ كَيۡفَ خُلِقَتۡ} (17)

17- أيهملون التدبر في الآيات ، فلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت خلقاً بديعاً يدل على قدرة الله ؟ {[231]} .


[231]:في خلق الإبل آيات معجزات دالة على قدرة الله ليتدبر في ذلك المتدبرون. فمن المعروف أن من صفاتها الظاهرة ما يمكنها من أن تكون سفن الصحراء بحق، فالعينان ترتفعان فوق الرأس وترتدان إلى الخلف فضلا عن طبقتين من الأهداب تقيانها الرمال والقذى. وكذلك المنخران والأذنان يكتنفهما الشعر للغرض نفسه. فإذا ما هبت العواصف الرملية انقفل المنخران، وانثنت الأذن ـ على صغرها وقلة بروزها ـ نحو الجسم، أما القوائم فطوال تساعد على سرعة الحركة، مع ما يناسب ذلك من طول العنق، وأما الأقدام فمنبسطة مفلطحة خفاف تكمن الإبل من السير فوق الرمال الناعمة، وللجمل كلكل تحت صدره ووسائد على مفاصل أرجله تمكنه من الرقود فوق الأرض الخشنة الساخنة، كما أن على جانبي ذيله الطويل شعرا يحمي الأجزاء الخلفية من الأذى. أما مواهب الجمل الوظيفية فأبلغ وأبدع، فهو في الشتاء لا يطلب الماء، بل قد يعرض عنه شهرين متتالين إذا كان الغذاء غضا رطبا أو أسبوعين إن كان جافا. كما أنه قد يحمل العطش الكامل في قيظ الصيف أسبوعا أو أسبوعين، يفقد في أثنائهما أكثر من ثلث وزن جسمه، فإذا ما وجد الماء تجرع منه كمية هائلة يستعيد بها وزنه المعتاد في دقائق معدودات، والجمل لا يختزن الماء في كرشه ما كان يظن. بل إنه يحتفظ به في أنسجة جسمه ويقتصد في استهلاكه غاية الاقتصاد، فمن ذلك أنه لا يلهث أبدا ولا يتنفس من فمه ولا يصدر من جلده إلا أدنى العرق، وذلك لأن حرارة جسمه تكون شديدة الانخفاض في الصباح المبكر، ثم تأخذ في الارتفاع التدريجي أكثر من ست درجات قبل أن تدعو الحاجة إلى تلطيفها بالعرق والتبخر، وعلى الرغم من كمية الماء الهائلة التي يفقده الجسم بعد العطش الطويل فإن كثافة دمه لا تتأثر إلا في حدود ومن ثم لا يقضي العطش عليه، وقد ثبت أن دهن السنام مخزن للطاقة يكفيه غوائل الجوع، ولكنه لا يفيد كثيرا في تدبير الماء اللازم لجسمه. وما زال العلماء يجدون في الجمل آيات كلما بحثوا، مصداقا لحض الله تعالى لهم على النظر في خلقه المعجز.
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى ٱلۡإِبِلِ كَيۡفَ خُلِقَتۡ} (17)

{ أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت } قال أهل التفسير : لما نعت الله تعالى في هذه السورة ما في الجنة عجب من ذلك أهل الكفر وكذبوه ، فذكر لهم الله تعالى صنعه فقال : { أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت } وكانت الإبل أعظم عيش العرب ، لهم فيها منافع كثيرة ، فلما صنع لهم ذلك في الدنيا صنع لأهل الجنة فيها ما صنع . وتكلمت الحكماء في وجه تخصيص الإبل من بين سائر الحيوانات ، فقال مقاتل : لأنهم لم يروا بهيمة قط أعظم منها ، ولم يشاهدوا الفيل إلا الشاذ منهم . وقال الكلبي : لأنها تنهض بحملها وهي باركة . وقال قتادة : ذكر الله تعالى ارتفاع سرر الجنة وفرشها ، فقالوا : كيف يصعدها فأنزل الله تعالى هذه الآية . وسئل الحسن عن هذه الآية ، وقيل له : الفيل أعظم في الأعجوبة ؟ فقال : أما الفيل فالعرب بعيدة العهد بها . ثم هو خنزير لا يركب ظهرها ولا يؤكل لحمها ولا يحلب درها ، والإبل من أعز مال العرب وأنفسها تأكل النوى وألقت وتخرج اللبن . وقيل : إنها مع عظمها تلين للحمل الثقيل وتنقاد للقائد الضعيف ، حتى إن الصبي الصغير يأخذ بزمامها فيذهب بها حيث شاء ، وكان شريح القاضي يقول : اخرجوا بنا إلى كناسة حتى ننظر إلى الإبل كيف خلقت .