ضرب المثل له هو قولهم مسحور ، ساحر ، مجنون ، متكهن ، لأنه لم يكن عندهم متيقناً بأحد هذه ، فإنما كانت منهم على جهة التشبيه ، ثم رأى الوليد بن المغيرة أن أقرب هذه الأمور على تخيل الطارئين عليهم هو أنه ساحر ، ثم حكم الله عليهم بالضلال ، وقوله { فلا يستطيعون سبيلاً } يحتمل معنيين : أحدهما لا يستطيعون سبيلاً إلى الهدى والنظر المؤدي إلى الإيمان ، فتجري الآية مجرى قوله { وجعلنا على قلوبهم أكنة }{[7589]} [ الأنعام : 25 ] ونحو هذا ، والآخر : لا يستطيعون سبيلاً إلى فساد أمرك وإطفاء نور الله فيك بضربهم الأمثال لك واتباعهم كل حيلة{[7590]} في جهتك ، وحكى الطبري أن هذه الآية نزلت في الوليد بن المغيرة وأصحابه .
جملة مستأنفة استئنافاً ابتدائياً ونظائرها كثيرة في القرآن .
والتعبير بفعل النظر إشارة إلى أنه بلغ من الوضوح أن يكون منظوراً .
والاستفهام ب ( كيف ) للتعجيب من حالة تمثيلهم للنبيء عليه الصلاة والسلام بالمسحور ونحوه .
وأصل ( ضرب ) وضع الشيء وتثبيته يقال : ضرب خيمة ، ويطلق على صوغ الشيء على حجم مخصوص ، يقال : ضرب دنانير ، وهو هنا مستعار للإبراز والبيان تشبيهاً للشيء المبرز المبين بالشيء المثبت . وتقدم عند قوله تعالى : { إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً } في [ البقرة : 26 ] .
واللام في { لك } للتعليل والأجْل ، أي ضربوا الأمثال لأجلك ، أي لأجل تمثيلك ، أي مثلوك . يقال : ضربت لك مثلاً بكذا . وأصله مثلتك بكذا ، أي أجِد كذا مثلاً لك ، قال تعالى : { فلا تضربوا لله الأمثال } [ النحل : 74 ] وقال : { واضرب لهم مثلاً أصحاب القرية } [ يس : 13 ] أي اجعلهم مثلاً لحالهم .
وجمع { الأمثال } هنا ، وإن كان المحكي عنهم أنهم مثلوه بالمسحور ، وهو مثل واحد ، لأن المقصود التعجيب من هذا المثل ومن غيره فيما يصدر عنهم من قولهم : هو شاعر ، هو كاهن ، هو مجنون ، هو ساحر ، هو مسحور . وسميت أمثالاً باعتبار حالهم لأنهم تحيروا فيما يصفونه به للناس لئلا يعتقدوه نبيئاً ، فجعلوا يتطلبون أشبه الأحوال بحاله في خيالهم فيلحقونه به ، كمن يدرج فرداً غريباً في أشبه الأجناس به ، كمن يقول في الزرافة : إنها مِن الأفراس أو من الإبل أو من البقر .
وفُرع ضَلالُهم على ضرب أمثالهم لأن ما ضربوه من الأمثال كله باطل وضلال وقوة في الكفر . فالمراد تفريع ضلالهم الخاص ببطلان تلك الأمثال ، أي فظهر ضلالهم في ذلك كقوله : { كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا } [ القمر : 9 ] .
ويجوز أن يراد بالضلال هنا أصل معناه ، وهو الحيرة في الطريق وعدم الاهتداء ، أي ضربوا لك أشباهاً كثيرة لأنهم تحيروا فيما يعتذرون به عن شأنك العظيم .
وتفريع { فلا يستطيعون سبيلاً } على { فضلوا } تفريع لتوغلهم في الحيرة على ضلالهم في ضرب تلك الأمثال .
والسبيل : الطريق ، واستطاعته استطاعة الظفر به ، فيجوز أن يراد بالسبيل سبيل الهدى على الوجه الأول في تفسير الضلال ، ويجوز أن يكون تمثيلاً لحال ضلالهم بحال الذي وقف في فيفاء لا يدري من أية جهة يسلك إلى المقصود ، على الوجه الثاني في تفسير الضلال .
والمعنى على هذا : أنهم تحيروا كيف يصفون حالك للناس لتوقعهم أن الناس يكذبونهم ، فلذلك جعلوا ينتقلون في وصفه من صفة إلى صفة لاستشعارهم أن ما يصفونه به باطل لا يطابقه الواقع .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.