{ أَألْقِىَ الذّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا } أي أأنزل عليه الوحي من بيننا وفينا من هو أحس منه بذلك ، والتعبير بألقي دون أنزل قيل : لأنه يتضمن العجلة في الفعل { بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ } أي شديد البطر وهو على ما قال الراغب : دهش يعتري من سوء احتمال النعمة وقلة القيام بحقها ووضعها إلى غير وجهها ، ويقاربه الطرب وهو خفة أكثر ما تعتري من الفرح ، ومرادهم ليس الأمر كذلك بل هو كذا وكذا حمله شدّة بطره وطلبه التعظيم علينا على ادعاء ذلك ، وقرأ قتادة . وأبو قلابة بل هو الكذب الأشر بلام التعريف فيهما وبفتح الشين وشدّ الراء ، وسيأتي إن شاء الله تعالى قريباً ما في ذلك .
ثم أخذوا فى تفنيد دعوته ، فقالوا : { أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا . . } والاستفهام للإنكار والنفى . والمراد بالإلقاء : الإنزال . وبالذكر : الوحى الذى أوحاه الله - تعالى - إليه ، وبلغه لهم . أى : أأنزل الوحى على صالح وحده دوننا ؟ لا لم ينزل عليه الوحى دوننا ، فهو واحد من أفنائنا ، وليس من أشرافنا .
{ بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ } أى : بل صالح فيما يدعونا إليه كذاب { أَشِرٌ } أى : بطر متكبر ، معجب بنفسه ، يقال : أشر فلان ، إذا أبطرته النعمة ، وصار مغرورا متكبرا على غيره ، ولا يستعمل نعم الله فيما خلقت له .
وهكذا الجاهلون الجاحدون ، يقلبون الحقائق ، وتصير الحسنات فى عقولهم سيئات ، فصالح - عليه السلام - الذى جاءهم بما يسعدهم ، أصبح فى نظرهم كذابا مغرورا ، لا يليق بهم أن يتبعوه . . .