البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{أَءُلۡقِيَ ٱلذِّكۡرُ عَلَيۡهِ مِنۢ بَيۡنِنَا بَلۡ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٞ} (25)

الأشر : البطر . وقرأ : أشر بالكسر يأشر أشراً ، فهو أشر وآشر وأشران ، وقوم أشارى ، مثل : سكران وسكارى .

{ أألقي الذكرعليه من بيننا } : أي أأنزل عليه الوحي من بيننا ؟ وفينا من هو أحق منه بالاختيار للنبوة .

انتهى ، وهو حسن ، على أن فيه تحميل اللفظ ما لا يحتمله .

{ إنا إذا } : أي إن اتبعناه ، فنحن في ضلال : أي بعد عن الصواب وحيرة .

وقال الضحاك : في تيه .

وقال وهب : بعد عن الحق ، { وسعر } : أي عذاب ، قاله ابن عباس .

وعنه وجنون يقال : ناقة مسعورة إذا كانت تفرط في سيرها كأنها مجنونة ، وقال الشاعر :

كأن بها سعراً إذا العيس هزها *** زميل وإزجاء من السير متعب

وقال قتادة : وسعر : عناء .

وقال ابن بحر : وسعر جمع سعير ، وهو وقود النار ، أي في خطر كمن هو في النار . انتهى .

وروي أنه كان يقول لهم : إن لم تتبعوني ، كنتم في ضلال عن الحق وسعر : أي نيران ، فعكسوا عليه فقالوا : إن اتبعناك كنا إذاً كما تقول .

ثم زادوا في الإنكار والاستبعاد فقالوا : { أألقي } : أي أأنزل ؟ قيل : وكأنه يتضمن العجلة في الفعل ، والعرب تستعمل هذا الفعل ، ومنه : { وألقَيت عليك محبة مني } { إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً } والذكر هنا : الوحي والرسالة وما جاءهم من الحكمة والموعظة .

ثم قالوا : ليس الأمر كما تزعم بل هو القرآن .

{ أشر } : أي بطر ، يريد العلوّ علينا ، وأن يقتادنا ويتملك طاعتنا .

وقرأ قتادة وأبو قلابة : بل هو الكذاب الأشر ، بلام التعريف فيهما وبفتح الشين وشد الراء ، وكذا الأشر الحرف الثاني .

وقرأ الحرف الثاني مجاهد ، فيما ذكر صاحب اللوامح وأبو قيس الأودي الأشر بثلاث ضمات وتخفيف الراء .

ويقال : أشر وأشر ، كحذر وحذر ، فضمة الشين لغة وضم الهمزة تبع لضمة الشين .

وحكى الكسائي عن مجاهد : ضم الشين .

وقرأ أبو حيوة : هذا الحرف الآخر الأشر أفعل تفضيل ، وإتمام خير ، وشر في أفعل التفضيل قليل .

وحكى ابن الأنباري أن العرب تقول : هو أخير وهو أشر .

قال الراجز .

بلال خير الناس وابن الأخير . . .

وقال أبو حاتم : لا تكاد العرب تتكلم بالأخير والأشر إلا في ضرورة الشعر ، وأنشد قول رؤبة بلال البيت .