لما سار موسى عليه السلام ببني إسرائيل بعد هلاك فرعون ، وافوا{[19459]} { عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ * إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [ الأعراف : 138 ، 139 ] وواعده ربه ثلاثين ليلة ثم أتبعها{[19460]} له عشرًا ، فتمت [ له ]{[19461]} أربعين ليلة ، أي : يصومها ليلا ونهارًا . وقد تقدم في حديث " الفتون " بيان ذلك . فسارع موسى عليه السلام مبادرًا إلى الطور ، واستخلف على بني إسرائيل أخاه هارون ؛ ولهذا قال تعالى : { وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى قَالَ هُمْ أُولاءِ عَلَى أَثَرِي } أي : قادمون ينزلون قريبًا من الطور ، { وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى } أي : لتزداد عني رضا .
قوله هنا { هُمْ أُوْلاءِ على أَثَرِي } يدل على أنّهم كانوا سائرين خلفه وأنه سبقهم إلى المناجاة .
واعتذر عن تعجّله بأنه عجّل إلى استجابة أمر الله مبالغة في إرضائه ، فقوله تعالى : { فَإنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ } فيه ضرب من المَلام على التعجل بأنّه تسبب عليه حدوث فتنة في قومه ليعلمه أن لا يتجاوز ما وُقت له ولو كان لرغبة في ازدياد من الخير .
والأثَر بفتحتين : ما يتركه الماشي على الأرض من علامات قدَم أو حافر أو خفّ . ويقال : إثْر بكسر الهمزة وسكون الثاء وهما لغتان فصيحتان كما ذكر ثعلب . فمعنى قولهم : جاء على إثره ، جاء موالياً له بقرب مجيئه ، شبه الجائي الموالي بالذي يمشي على علامات أقدام مَن مشى قبله قبل أن يتغيّر ذلك الأثرُ بأقدام أخرى ، ووجه الشبه هو موالاته وأنه لم يسبقه غيره .
والمعنى : هم أولاء سائرون على مواقع أقدامي ، أي موالون لي في الوصول . ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم « وأنا الحاشر الذي يُحشر الناس على قدَمِي » ، تقديره : يحشرون سائرين على آثار قدمي .
وقرأ الجمهور { على أَثرِي } بفتحتين . وقرأه رويس عن يعقوب بكسر الهمزة وسكون الثاء .
واستعمل تركيب { هُمْ أُوَلاءِ } مجرّداً عن حرف التنبيه في أول اسم الإشارة خلافاً لقوله في سورة النساء ( 109 ) : { ها أنتم هؤلاء جادلتم } ، وتجريد اسم الإشارة من هاء التنبيه استعمال جائز وأقل منه استعماله بحرف التنبيه مع الضمير دون اسم الإشارة ، نحو قول عبد بني الحسحاس :
وتقدّم عند قوله تعالى : { ها أنتم أولاء تحبونهم } في سورة آل عمران ( 119 ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.