البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قَالَ هُمۡ أُوْلَآءِ عَلَىٰٓ أَثَرِي وَعَجِلۡتُ إِلَيۡكَ رَبِّ لِتَرۡضَىٰ} (84)

{ وما أعجلك } سؤال عن سبب العجلة وأجاب بقوله { هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى } لأن قوله { وما أعجلك } تضمن تأخر قومه عنه ، فأجاب مشيراً إليهم لقربهم منه إنهم على أثره جائين للموعد ، وذلك على ما كان عهد إليهم أن يجيئوا للموعد .

ثم ذكر السبب الذي حمله على العجلة وهو ما تضمنه قوله { وعجلت إليك رب لترضى } من طلبه رضا الله تعالى في السبق إلى ما وعده ربه ومعنى { إليك } إلى مكان وعدك و { لترضى } أي ليدوم رضاك ويستمر ، لأنه تعالى كان عنه راضياً .

وقال الزمخشري : فإن قلت : { ما أعجلك } سؤال عن سبب العجلة ، فكان الذي ينطبق عليه من الجواب أن يقال : طلب زيادة رضاك والشوق إلى كلامك وينجز موعدك وقوله { هم أولاء على أثري } كما ترى غير منطبق عليه .

قلت : قد تضمن ما واجهه به رب العزة شيئين أحدهما إنكار العجلة في نفسها ، والثاني السؤال عن سبب المستنكر والحامل عليه ، فكان أهم الأمرين إلى موسى بسط العذر وتمهيد العلة في نفس ما أنكر عليه ، فاعتل بأنه لم يوجد مني إلاّ تقدم يسير مثله لا يعتد به في العادة ولا يحتفل به ، وليس بيني وبين من سبقته إلا مسافة قريبة يتقدم بمثلها الوفد رأسهم ومقدمهم ، ثم عقبه بجواب السؤال عن السبب فقال { وعجلت إليك رب لترضى } ولقائل أن يقول : حارَ لِما وَرَد عليه من التهيب لعتاب الله فأذهله ذلك عن الجواب المنطبق المترتب على حدود الكلام انتهى .

وفيه سوء أدب على الأنبياء عليهم السلام .

وقرأ الحسن وابن معاذ عن أبيه أولائي بياء مكسورة وابن وثاب وعيسى في رواية { أولاء } بالقصر .

وقرأت فرقة أولاي بياء مفتوحة .

وقرأ عيسى ويعقوب وعبد الوارث عن أبي عمرو وزيد بن علي إثري بكسر الهمزة وسكون الثاء .

وحكى الكسائي أثْرِي بضم الهمزة وسكون الثاء وتروى عن عيسى .

وقرأ الجمهور { أولاء } بالمد والهمز على { أَثَرِي } بفتح الهمز والثاء و { على أثري } يحتمل أن يكون خبراً بعد خبر ، أو في موضع نصب على الحال .