محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{قَالَ هُمۡ أُوْلَآءِ عَلَىٰٓ أَثَرِي وَعَجِلۡتُ إِلَيۡكَ رَبِّ لِتَرۡضَىٰ} (84)

{ قَالَ هُمْ أُولَاء عَلَى أَثَرِي } أي قادمون ينزلون بالطور ، وإنما سبقتهم ما ظننت أنه خير . ولذا قال : { وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى } أي عني ، بمسارعتي إلى الامتثال بأمرك . واعتنائي بالوفاء بعهدك . وزيادة { رب } لمزيد الضراعة والابتهال ، رغبة في قبول . العذر . أفاده أبو السعود .

فإن قيل : كان مقتضى جواب السؤال من موسى أن يقول : ( طلب زيادة رضاك أو الشوق إلى كلامك ) فالجواب . أن هذا من الغفلة عن سر الإنكار . وذلك لأن الإنكار بالذات إنما هو للبعد والإنفصال عنهم . فهو منصب على القيد . كما عرف في أمثاله . فالسؤال في المعنى عن الانفصال الذي يتضمنه { أعجلك } المتعدي ب ( عن ) . وإنكار العجلة لأنها وسيلة له . فالجواب { هُمْ أُولَاء عَلَى أَثَرِي } . وقوله : { وعجلت } الخ تتميم . وقيل الجواب إنما هو : { وعجلت } الخ ، وما قبله تمهيد له .

وقال الناصر : إنما أراد الله تعالى بسؤاله عن سبب العجلة ، وهو أعلم ، أن يعلم موسى أدب السفر . وهو أنه ينبغي تأخر رئيس القوم عنهم في المسير ، ليكون نظره محيطا بطائفته ، ونافذا فيهم ، ومهيمنا عليهم . وهذا المعنى لا يحصل في تقدمه عليهم ، ألا ترى الله عز وجل كيف علم هذا الأدب ، لوطا ، فقال : { واتبع أدبارهم } فأمره أن يكون أخيرهم . على أن موسى عليه السلام إنما أغفل هذا الأمر مبادرة إلى رضاء الله عز وجل ، ومسارعة إلى الميعاد . وذلك شأن الموعود بما يسره ، يود لو ركب إليه أجنحة الطير . ولا أسر من مواعدة الله تعالى له صلى الله عليه وسلم . انتهى .