السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{قَالَ هُمۡ أُوْلَآءِ عَلَىٰٓ أَثَرِي وَعَجِلۡتُ إِلَيۡكَ رَبِّ لِتَرۡضَىٰ} (84)

{ قال } مجيباً لربه تعالى : { هم أولاء } أي : بالقرب مني يأتون { على أثري } أي : ماشين على آثار مشي قبل أن ينطمس ، وما تقدمتهم إلا بخطى يسيرة لا يعتد بها عادة ، وليس بيني وبينهم إلا مسافة قريبة يتقدم بها الرفقة بعضهم على بعض { وعجلت إليك رب لترضى } أي : لتزداد عني رضاً ، فإن المسارعة إلى امتثال أمرك والوفاء بعهدك يوجب مرضاتك .

تنبيه : في الآية سؤالات :

الأول : قوله تعالى : { وما أعجلك } استفهام ، وهو على الله تعالى وأجيب عنه : بأنه كان في صورة الاستفهام ، ولا مانع منه .

الثاني : أن موسى عليه السلام لا يخلو إما أن يكون ممنوعاً من ذلك التقدم ، أو لم يكن ، فإن كان الأول كان التقدم معصية ، وإن لم يكن فلا إنكار ، وأجيب عنه : بأنه عليه السلام لعله ما وجد نصاً في ذلك ، فاجتهد ، فأخطأ في اجتهاده ، فاستوجب العتاب .

الثالث : قوله : { وعجلت } ، والعجلة مذمومة ، أجيب عنه بأنها ممدوحة في الدين قال تعالى : { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم } [ آل عمران ، 133 ] .

الرابع : قوله : { لترضى } يدل على أنه إنما فعل ذلك ليحصل الرضا ، وإذا لم يكن راضياً عنه ، وجب أن يكون ساخطاً عليه ، وذلك لا يليق بحال الأنبياء عليهم السلام ، أجيب عنه : بأن المراد تحصيل دوام الرضا ، أو زيادته كما مرَّ .

الخامس : قوله : { إليك } يقتضي كون الله تعالى في جهة لأن إلى لانتهاء الغاية ، وأجيب عنه : بأنا اتفقنا على أن الله تعالى لم يكن في الجبل ، فالمراد مكان وعدك .

السادس : قوله تعالى : { ما أعجلك عن قومك } سؤال عن سبب العجلة ، فكان جوابه اللائق به أن يقول : طلب زيادة رضاك ، أو التشوق إلى كلامك ، وأما قوله : { هم أولاء على أثري } فغير منطبق عليه كما ترى ؛ أجيب عنه بأن سؤال الله تعالى يتضمن شيئين ؛ أحدهما : إنكار نفس العجلة ، والثاني : السؤال عن سبب التقدم ، فأجاب عن السؤال عن العجلة ؛ لأنها أهم ، فقال : وعجلت إليك رب لترضى .