{ قَالَ الْمَلأ مِنْ قَوْمِهِ } أي : الجمهور والسادة والقادة والكبراء منهم : { إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ } أي : في دعوتك إيانا إلى ترك عبادة هذه الأصنام التي وجدنا عليها آباءنا . وهكذا حال الفجار إنما يرون الأبرار في ضلالة ، كما قال تعالى : { وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ } [ المطففين : 32 ] ، { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ } [ الأحقاف : 11 ] إلى غير ذلك من الآيات .
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ الْمَلاُ مِن قَوْمِهِ إِنّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مّبِينٍ } .
وهذا خبر من الله جلّ ثناؤه عن جواب مشركي قوم نوح لنوح ، وهم الملأ والملأ : الجماعة من الرجال لا امرأة فيهم أنهم قالوا له حين دعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له : إنّا لَنَرَاكَ يا نوح فِي ضَلالٍ مُبِينٍ يعنون : في أمر زائل عن الحقّ ، مبين زواله عن قصد الحدّ لمن تأمّله .
فُصلت جملة { قال } على طريقة الفصل في المحاورات ، واقترن جوابهم بحرف التّأكيد للدّلالة على أنّهم حقّقوا وأكّدوا اعتقادهم أنّ نوحاً منغمس في الضّلالة . { الملأ } مهموز بغير مدّ : الجماعةُ الذين أمْرُهم واحد ورأيهم واحد لأنّهم يُمالىء بعضهم بعضاً ، أي يعاونه ويوافقه ، ويطلق الملأ على أشراف القوم وقَادتهم لأنّ شأنهم أن يكون رأيهم واحداً عن تشاور ، وهذا المعنى هو المناسب في هذه الآية بقرينة ( مِن ) الدّالة على التّبعيض أي أنّ قادة القوم هم الذين تَصدّوا لمجادلة نوح والمناضلةِ عن دينهم بمسمع من القوم الذين خاطبَ جميعَهم ، والرّؤية قلبيّة بمعنى العلم ، أي أنّا لنوقن أنّك في ضلال مبين ولم يوصف الملأ هنا بالذين كفروا ، أو بالذين استكبروا كما وصف الملأ في قصّة هود بالذين كفروا استغناء بدلالة المقام على أنّهم كذّبوا وكفروا .
وظرفية { في ضلال } مجازية تعبيراً عن تمكّن وصف الضّلال منه حتّى كأنّه محيط به من جوانبه إحاطة الظرف بالمظروف .
« والضّلال » اسم مصدر ضَلّ إذا أخطأ الطّريق الموصّل ، « والمبين » اسم فاعل من أبان المرادفِ بَان ، وذلك هو الضّلال البالغ الغاية في البعد عن طريق الحقّ ، وهذه شبهة منهم فإنّهم توهّموا أنّ الحقّ هو ما هم عليه ، فلا عجب إذا جعلوا ما بَعُد عنه بعدا عظيماً ضلالاً بيّناً لأنّه خالفهم ، وجاء بما يعُدّونه من المحال ، إذْ نفَى الإلهيةَ عن آلهتهم ، فهذه مخالفة ، وأثبتها لله وحده ، فإن كانوا وثنيين فهذه مخالفة أخرى ، وتوعدهم بعذاب على ذلك وهذه مخالفة أيضاً ، وإن كان العذاب الذي توعدهم به عذاب الآخرة فقد أخبرهم بأمر محال عندهم وهو البعث ، فهي مخالفة أخرى ، فضلاله عندهم مبينٌ ، وقد يتفاوت ظهوره ، وادّعى أنّ الله أرسله وهذا في زعمهم تعمد كذب وسفاهةُ عقل وادعاءُ محال كما حكي عنهم في قوله تعالى : { قال الملأ الذين كفروا من قومه إنّا لنراك في سفاهة وإنّا لنظنّك من الكاذبين } [ الأعراف : 66 ] وقوله هنا { أَوَ عجبتم أن جاءكم ذكر من ربّكم } [ الأعراف : 63 ] الآية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.