الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{قَالَ ٱلۡمَلَأُ مِن قَوۡمِهِۦٓ إِنَّا لَنَرَىٰكَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (60)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{قال الملأ من قومه}، وهم القادة والكبراء لنوح: {إنا لنراك في ضلال مبين}.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

هذا خبر من الله جلّ ثناؤه عن جواب مشركي قوم نوح لنوح، وهم الملأ، والملأ: الجماعة من الرجال لا امرأة فيهم، أنهم قالوا له حين دعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له:"إنّا لَنَرَاكَ" يا نوح "فِي ضَلالٍ مُبِينٍ "يعنون: في أمر زائل عن الحقّ، مبين زواله عن قصد الحدّ لمن تأمّله...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{قال الملأ من قومه} هم أشراف قومه وسادتهم، وكانوا هم أضداد الأنبياء والرسل، لأنهم كانوا يدعون الناس إلى ما يوحي إليهم الشياطين، والرسل كانوا يدعون إلى ما يوحي إليهم الله، وينزّل عليهم. لذلك قالوا: {إنا لنراك في ضلال مبين} لأنهم ظنوا أن ما أوحى إليهم الشيطان هو الحق، وأن ما يدعو إليه الرسل هو ضلال وباطل.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

قيل في معنى الملأ قولان: أحدهما -أنهم الجماعة من الرجال، سموا بذلك لانهم يملؤون المحافل.

والثاني- أنهم الأشراف، وقيل: الرؤساء، لأنهم يملؤون الصدر بعظم شأنهم.

والقوم يقال لمن يقوم بالأمر، وهو مأخوذ من القيام.

وقوله "إنا لنراك "قيل في معناه ثلاثة أقوال: أحدها -إنه من رؤية القلب الذي هو العلم.

الثاني- من رؤية العين، كأنهم قالوا نراك بأبصارنا على هذه الحال.

الثالث -أنه من الرأي الذي هو غالب الظن وكأنه قال: إنا لنظنك.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

و {الملأ} الجماعة الشريفة، وقيل هم مأخوذون من أنهم يملؤون النفس والعين، ويحتمل أن يكون من أنهم إذا تمالؤوا على أمر تم.

{في ضلال} أي في إتلاف وجهالة بما نسلك.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

ثم إنه تعالى حكى ما ذكره في قومه فقال: {قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال مبين} وقال المفسرون: {الملأ} الكبراء والسادات الذين جعلوا أنفسهم أضداد الأنبياء، والدليل عليه أن قوله {من قومه} يقتضي أن ذلك الملأ بعض قومه، وذلك البعض لا بد وأن يكونوا موصوفين بصفة لأجلها استحقوا هذا الوصف، وذلك بأن يكونوا هم الذين يملؤون صدور المجالس، وتمتلئ القلوب من هيبتهم، وتمتلئ الأبصار من رؤيتهم، وتتوجه العيون في المحافل إليهم، وهذه الصفات لا تحصل إلا في الرؤساء، وذلك يدل على أن المراد من الملأ الرؤساء والأكابر. وقوله: {إنا لنراك} هذه الرؤية لا بد وأن تكون بمعنى الاعتقاد والظن دون المشاهدة والرؤية. وقوله: {في ضلال مبين} أي في خطأ ظاهر وضلال بين، ولا بد وأن يكون مرادهم نسبة نوح إلى الضلال في المسائل الأربع التي بينا أن نوحا عليه السلام ذكرها، وهي التكليف والتوحيد والنبوة والمعاد...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما تم ذلك، وكان الحال مقتضياً -مع ما نصب من الأدلة الواضحة على الوحدانية- لأن يجيبوا بالتصديق، كان كأنه قيل: فبماذا كان جوابهم؟ فقال {قال الملأ} أي الأشراف الذين يملأ العيون مرآهم عظمة، وتتوجه العيون في المحافل إليهم، ولم يصفهم في هذه السورة بالكفر لأن ذلك أدخل في التسلية، لأنها أول سورة قص فيها مثل هذا في ترتيب الكتاب، ولأن من آمن به مطلقاً كانوا في جنب من لم يؤمن في غاية القلة، فكيف عند تقييدهم بالشرف! وأكد ذمهم تسلية لهذا النبي الكريم بالتعريف بقربهم منه في النسب بقوله: {من قومه} وقابلوا رقته وأدبه بغلطة مؤكداً ما تضمنته من البهتان لأن حالهم مكذب لهم فقالوا: {إنا لنراك} أي كل واحد منا يعتقد اعتقاداً هو في الثقة به كالرؤية أنك {في ضلال} أي خطأ وذهاب عن الصواب، هو ظرف لك محيط بك {مبين} أي ظاهر في نفسه حتى كأنه يظهر ذلك لغيره.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

فكيف كان استقبال المنحرفين الضالين من قوم نوح لهذه الدعوة الخالصة الواضحة المستقيمة؟ (قال الملأ من قومه: إنا لنراك في ضلال مبين)! كما قال مشركو العرب لمحمد صلى الله عليه وسلم إنه صبأ، ورجع عن دين إبراهيم! وهكذا يبلغ الضال من الضلال أن يحسب من يدعوه إلى الهدى هو الضال! بل هكذا يبلغ التبجح الوقح بعدما يبلغ المسخ في الفطر!.. هكذا تنقلب الموازين، وتبطل الضوابط، ويحكم الهوى؛ ما دام أن الميزان ليس هو ميزان الله الذي لا ينحرف ولا يميل. وماذا تقول الجاهلية اليوم عن المهتدين بهدى الله؟ إنها تسميهم الضالين، وتعد من يهتدي منهم ويرجع بالرضى والقبول!.. أجل من يهتدي إلى المستنقع الكريه، وإلى الوحل الذي تتمرغ الجاهلية فيه!

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

{الملأ}: الجماعةُ الذين أمْرُهم واحد ورأيهم واحد لأنّهم يُمالئ بعضهم بعضاً، أي يعاونه ويوافقه، ويطلق الملأ على أشراف القوم وقَادتهم، لأنّ شأنهم أن يكون رأيهم واحداً عن تشاور، وهذا المعنى هو المناسب في هذه الآية بقرينة (مِن) الدّالة على التّبعيض، أي أنّ قادة القوم هم الذين تَصدّوا لمجادلة نوح والمناضلةِ عن دينهم بمسمع من القوم الذين خاطبَ جميعَهم،...

« والمبين» اسم فاعل من أبان المرادفِ بَان، وذلك هو الضّلال البالغ الغاية في البعد عن طريق الحقّ، وهذه شبهة منهم، فإنّهم توهّموا أنّ الحقّ هو ما هم عليه، فلا عجب إذا جعلوا ما بَعُد عنه بعدا عظيماً ضلالاً بيّناً لأنّه خالفهم.

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

قال الملأ من قومه، أي قال الكبراء والرؤساء والأشراف من قومه مستنكرين مستهترين: إنا نراك في ضلال مبين، وكذلك نجد الكبراء في كل قرية أكابر مجرميها كما أشار إلى ذلك القرآن الكريم. كانت إجابتهم إصرارا على غيهم، واستمساكا بما هم عليه، وعدوا غيره ضلالا وسفها: {إنا لنراك في ضلال مبين}، أي إنا نراك في بعد عن الهداية، والحق واضح. وقد أكدوا ذلك ب (إنا)، وبأنهم يرونه كذلك، وإنه يستفاد من هذا أمران:

أولهما – أنهم يردون قوله، ولا يقبلونه، ويعصونه، وأنهم يرون أن صاحبه في ضلال واضح لا هداية معه، وأنهم بهذه الحال لا يمكن أن يجيبوه بل أن يفكروا في إجابته.

وثانيهما – أنه يلاحظ أن ذلك من كبرائهم، كما ذكرنا، أما ضعفاؤهم فإنه لم تعرف لهم إجابة، لأنهم مغمورون غير مذكورين، كما كان الأمر من بعد ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، إذ مكث وقت الدعوة المحمدية في مكة، ما كان يتردد في جنباتها إلا صوت أبي جهل وأبي لهب، والوليد بن المغيرة، ولا يتردد صوت عمار، وبلال وأبي بكر،

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

... والذي يهاج بهذه الدعوة هم السادة لأنه ليس هناك إلا إله واحد، والأمر لواحد والنهي لواحد والعبادة والخضوع لواحد، ومن هنا فسوف تذهب عنهم سلطتهم الزمنية، لذلك يوضح الحق لنا موقف هؤلاء من الدعوة حين يقول: {قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (60)} ...

... إنهم خائفون أن تكون دعوة نوح هي الدعوة إلى الطريق المستقيم وكلامه هو الهداية؛ فيمنّوا أنفسهم بأن هذا ضلال وخروج عن منهج الحق:

{إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} أي غيبة عن الحق، أو في تيه عن الحق، و "مبين "أي محيط بصورة لا يمكن النفاذ منها...