المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُو قَالَ أَكَذَّبۡتُم بِـَٔايَٰتِي وَلَمۡ تُحِيطُواْ بِهَا عِلۡمًا أَمَّاذَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (84)

84- وحينما يقفون بين يدي الله للحساب يقول - سبحانه - لهم تبكيتاً وتعنيفاً : قد كذبتم بكل آياتي وأنكرتموها دون تدبر ولا فهم . بل ماذا كنتم تعملون وأنتم لم تخلقوا عبثاً ؟

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُو قَالَ أَكَذَّبۡتُم بِـَٔايَٰتِي وَلَمۡ تُحِيطُواْ بِهَا عِلۡمًا أَمَّاذَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (84)

59

حتى إذا جاءوا قال : أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علما ? أم ماذا كنتم تعملون ? .

والسؤال الأول للتخجيل والتأنيب . فمعروف أنهم كذبوا بآيات الله . أما السؤال الثاني فملؤه التهكم ، وله في لغة التخاطب نظائر : أكذبتم ? أم كنتم تعملون ماذا ? فما لكم عمل ظاهر يقال : إنكم قضيتم حياتكم فيه ، إلا

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُو قَالَ أَكَذَّبۡتُم بِـَٔايَٰتِي وَلَمۡ تُحِيطُواْ بِهَا عِلۡمًا أَمَّاذَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (84)

والقول في { حتى إذا جاءو } كالقول في { حتى إذا أتوا على واد النمل } [ النمل : 18 ] ولم يذكر الموضع الذي جاءوه لظهوره وهو مكان العذاب ، أي جهنم كما قال في الآية { حتى إذا ما جاءوها } [ فصلت : 20 ] .

و { حتى } في { حتى إذا جاءو } ابتدائية . و { إذا } الواقعة بعد { حتى } ظرفية والمعنى : حتى حين جاءوا .

وفعل { قال أكذبتم بآياتي } هو صدر الجملة في التقدير وما قبله مقدم من تأخير للاهتمام . والتقدير : وقال أكذبتم بآياتي يوم نحشر من كل أمة فوجاً وحين جاءوا . وفي { قال } التفات من التكلم إلى الغيبة .

وقوله { أكذبتم بآياتي } قول صادر من جانب الله تعالى يسمعونه أو يبلغهم إياه الملائكة .

والاستفهام يجوز أن يكون توبيخياً مستعملاً في لازمه وهو الإلجاء إلى الاعتراف بأن المستفهم عنه واقع منهم تبكيتاً لهم ، ولهذا عطف عليه قوله { أم ماذا كنتم تعملون } . j فحرف { أم } فيه بمعنى ( بل ) للانتقال ومعادل همزة الاستفهام المقدرة محذوف دل عليه قوله { ماذا كنتم تعملون } . والتقدير : أكذبتم بآياتي أم لم تكذبوا فماذا كنتم تعملون إن لم تكذبوا فإنكم لم توقنوا فماذا كنتم تعملون في مدة تكرير دعوتكم إلى الإسلام . ومن هنا حصل الإلجاء إلى الاعتراف بأنهم كذبوا .

ومن لطائف البلاغة أنه جاء بالمعادل الأول مصرحاً به لأنه المحقق منهم فقال { أكذبتم بآياتي } وحذف معادله الآخر تنبيهاً على انتفائه كأنه قيل : أهو ما عهد منكم من التكذيب أم حدث حادث آخر ، فجعل هذا المعادل متردداً فيه ، وانتقل الكلام إلى استفهام . وهذا تبكيت لهم .

قال « في الكشاف » : « ومثاله أن تقول لراعيك وقد علمت أنه راعي سوء : أتأكل نعمي أم ماذا تعمل بها ، فتجعل ما ابتدأت به وجعلته أساس كلامك هو الذي صح عندك من أكله وفساده وترمي بقولك : أم ماذا تعمل بها ، مع علمك أنه لا يعمل بها إلا الأكل لتبهته . ويجوز أن يكون الاستفهام تقريرياً وتكون { أم } متصلة وما بعدها هو معادل الاستفهام باعتبار المعنى كأنه قيل : « أكذبتم أم لم تكذبوا فماذا كنتم تعملون إن لم تكذبوا فإنكم لم تتبعوا آياتي » .

وجملة { ولم تحيطوا بها علماً } في موضع الحال ، أي كذبتم دون أن تحيطوا علماً بدلالة الآيات . وانتصب { علماً } على أنه تمييز نسبة { تحيطوا } ، أي لم يحط علمكم بها ، فعدل عن إسناد الإحاطة إلى العلم إلى إسنادها إلى ذوات المخاطبين ليقع تأكيد الكلام بالإجمال في الإسناد ثم التفصيل بالتمييز .

وإحاطة العلم بالآيات مستعملة في تمكن العلم حتى كأنه ظرف محيط بها وهذا تعيير لهم وتوبيخ بأنهم كذبوا بالآيات قبل التدبر فيها .

و { ماذا } استفهام واسم إشارة وهو بمعنى اسم الموصول إذا وقع بعد ( ما ) . والمشار إليه هو مضمون الجملة بعده في قوله { كنتم تعملون } . ولكون المشار إليه في مثل هذا هو الجملة صار اسم الإشارة بعد الاستفهام في قوة موصول فكأنه قيل : ما الذي كنتم تعملون ؟ فذلك معنى قول النحويين : إن ( ذا ) بعد ( ما ) و ( من ) الاستفهاميتين يكون بمعنى ( ما ) الموصولة فهو بيان معنىً لا بيان وضع .