الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُو قَالَ أَكَذَّبۡتُم بِـَٔايَٰتِي وَلَمۡ تُحِيطُواْ بِهَا عِلۡمًا أَمَّاذَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (84)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله: "حتى إذَا جاءُوا قالَ أكَذّبْتُمْ بآياتِي "يقول تعالى ذكره: حتى إذا جاء من كلّ أمة فوج ممن يكذّب بآياتنا فاجتمعوا، قال الله: "أكذّبتم بآياتي": أي بحججي وأدلتي، "وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْما "يقول ولم تعرفوها حقّ معرفتها؟ أمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ" فيها من تكذيب أو تصديق.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

يحتمل {ولم تحيطوا بها علما} وجهين:

أحدهما: أي قد أحطتم بها علما أنها آيات، لكن كذبتهم، وأنكرتم أنها آيات عنادا ومكابرة؛ إذ يجوز أن يتكلم بالنفي على إثبات ضده كقوله: {قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض} [يونس: 18] أي نعلم بضد ذلك وبخلاف ما تقولون أنتم. وذلك جائز، في القرآن كثير.

والثاني: أن يكون قوله: {ولم تحيطوا بها علما} لما لم تتفكروا فيها، ولم تنظروا إليها نظر التعليم والإجلال لكي تعرفوا، وتحيطوا بها علما أنها آيات. وإلا لو كان التأويل على ظاهر ما ذكر لكان لهم عذر في تكذيبها إذا لم يحيطوا بها علما؛ إذ من لم يحط العلم بالشيء فله عذر الرد وترك القبول. لكن يخرج على الوجهين اللذين ذكرتهما، والله أعلم.

الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي 468 هـ :

{حتى إذا جاؤوا قال} الله تعالى لهم {أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علما} ولم تعرفوها حق معرفتها وهذا توبيخ لهم {أم ماذا كنتم تعملون} حين لم تتفكروا فيها.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

الواو للحال، كأنه قال: أكذبتم بها بادئ الرأي من غير فكر ولا نظر يؤدي إلى إحاطة العلم بكنهها، وأنها حقيقة بالتصديق أو بالتكذيب. أو للعطف، أي: أجحدتموها ومع جحودكم لم تلقوا أذهانكم لتحققها وتبصرها؛ فإن المكتوب إليه قد يجحد أن يكون الكتاب من عند من كتبه، ولا يدع مع ذلك أن يقرأ ويتفهم مضامينه ويحيط بمعانيه.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

{أماذا كنتم تعملون} على معنى استيفاء الحجج، أي إن كان لكم عمل أو حجة فهاتوها.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

أما قوله: {أماذا كنتم تعملون} فالمراد لما لم تشتغلوا بذلك العمل المهم، فأي شيء كنتم تعملونه بعد ذلك؟! كأنه قال كل عمل سواه فكأنه ليس بعمل.

الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :

" أمَّاذا كنتم تعملون "تقريع وتوبيخ أي ماذا كنتم تعملون حين لم تبحثوا عنها ولم تتفكروا ما فيها.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{حتى إذا جاءوا} أي المكان الذي أراده الله لتبكيتهم {قال} لهم ملك الملوك غير مظهر لهم الجزم بما يعلمه من أحوالهم، في عنادهم وضلالهم، بل سائلاً لهم إظهاراً للعدل بإلزامهم بما يقرون به من أنفسهم، وفيه إنكار وتوبيخ وتبكيت وتقريع: {أكذبتم} أي أيها الجاهلون {بآياتي} على ما لها من العظم في أنفسها، وبإتيانها إليكم على أيدي أشرف عبادي {و} الحال أنكم {لم تحيطوا بها علماً} أي من غير فكر ولا نظر يؤدي إلى الإحاطة بها في معانيها وما أظهرت لأجله حتى تعلموا ما تستحقه ويليق بها بدليل لا مرية فيه... {أمّاذا كنتم} أي في تلك الأزمان بما هو لكم كالجبلات {تعملون} فيها هل صدقتم بها أو كذبتم بعد الإحاطة بعلمها؟ أخبروني عن ذلك كله!... والسؤال على هذا الوجه منبه على الاضطرار إلى التصديق أو الاعتراف بالإبطال، لأنهم إن قالوا: كذبنا، فإن قالوا مع عدم الإحاطة كان في غاية الوضوح في الإبطال، وإن قالوا مع الإحاطة كان أكذب الكذب.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

والسؤال الأول للتخجيل والتأنيب. فمعروف أنهم كذبوا بآيات الله. أما السؤال الثاني فملؤه التهكم، وله في لغة التخاطب نظائر: أكذبتم؟ أم كنتم تعملون ماذا؟ فما لكم عمل ظاهر يقال: إنكم قضيتم حياتكم فيه، إلا هذا التكذيب المستنكر الذي ما كان ينبغي أن يكون.. ومثل هذا السؤال لا يكون عليه جواب إلا الصمت والوجوم، كأنما وقع على المسؤول ما يلجم لسانه ويكبت جنانه..

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

{أكذبتم بآياتي} قول صادر من جانب الله تعالى يسمعونه أو يبلغهم إياه الملائكة. والاستفهام يجوز أن يكون توبيخياً مستعملاً في لازمه وهو الإلجاء إلى الاعتراف بأن المستفهم عنه واقع منهم تبكيتاً لهم، ولهذا عطف عليه قوله {أم ماذا كنتم تعملون}. فحرف {أم} فيه بمعنى (بل) للانتقال ومعادل همزة الاستفهام المقدرة محذوف دل عليه قوله {ماذا كنتم تعملون}. والتقدير: أكذبتم بآياتي أم لم تكذبوا فماذا كنتم تعملون إن لم تكذبوا فإنكم لم توقنوا فماذا كنتم تعملون في مدة تكرير دعوتكم إلى الإسلام. ومن هنا حصل الإلجاء إلى الاعتراف بأنهم كذبوا. ومن لطائف البلاغة أنه جاء بالمعادل الأول مصرحاً به لأنه المحقق منهم فقال {أكذبتم بآياتي} وحذف معادله الآخر تنبيهاً على انتفائه كأنه قيل: أهو ما عهد منكم من التكذيب أم حدث حادث آخر، فجعل هذا المعادل متردداً فيه، وانتقل الكلام إلى استفهام. وهذا تبكيت لهم.

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

لأنكم لم تتعمقوا في دراستها، ولم تفكروا بمضمونها، ولم تدخلوا مع الأنبياء في حوارٍ حولها، ليكون لكم العلم بها بالمستوى الشامل الذي تعرفون من خلاله كل مفرداتها وتفاصيلها، وبذلك كان التكذيب مستنداً إلى الجهل لا إلى حجّة.