سيحلفون باللّه لكم - إذا إنقلبتم إليهم - لتعرضوا عنهم . فأعرضوا عنهم ، إنهم رجس ، ومأواهم جهنم ، جزاء بما كانوا يكسبون . .
وهذا إنباء آخر من اللّه سبحانه لنبيه [ ص ] ، عما سيكون من أمر القوم عندما يعود إليهم هو والمؤمنون الخلص معه سالمين آمنين . وكان المنافقون قد ظنوا أنهم لا يعودون من لقاء الروم !
فقد علم اللّه وأخبر نبيه أنهم سيؤكدون معاذيرهم بالحلف باللّه ؛ لعل المسلمين يعرضون عن فعلتهم وتخلفهم عفواً وصفحاً ؛ ولا يحاسبونهم عليها ويجازونهم بها .
ثم يوجهه ربه إلى الإعراض عنهم فعلاً ، لكن لا بمعنى العفو والصفح ؛ إنما بمعنى الإهمال والإجتناب . معللاً ذلك بأنهم دنس يتجنب ويتوقى :
( فأعرضوا عنهم ، إنهم رجس ) . .
وهو التجسيم الحسي للدنس المعنوي . فهم ليسوا رجساً - أي دنساً - بأجسادهم وذواتهم ؛ إنما هم رجس بأرواحهم وأعمالهم . ولكنها الصورة المجسمة أشد بشاعة وأبين قذارة ، وأدعى إلى التقزز والإشمئزاز ، وإلى الإحتقار كذلك والإزدراء !
والقاعدون في الجماعة المكافحة - وهم قادرون على الحركة - الذين يقعد بهم إيثار السلامة عن الجهاد . . رجس ودنس . ما في ذلك شك ولا ريب . . رجس خبيث يلوث الأرواح ، ودنس قذر يؤذي المشاعر ؛ كالجثة المنتنة في وسط الأحياء تؤذي وتعدي !
( ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون ) . .
وهم يحسبون أنهم يكسبون بالتخلف ؛ ويربحون بالقعود ؛ ويجنون السلامة والراحة ؛ ويحتفظون بالعافية والمال . . ولكن الحقيقة أنهم دنس في الدنيا ، وأنهم يضيعون نصيبهم في الآخرة . فهي الخسارة المطبقة بكل ألوانها وأشكالها . . ومن أصدق من اللّه حديثاً ? .
الجملة مستأنفة ابتدائية تعداد لأحوالهم . ومعناها ناشئ عن مضمون جملة { لن نؤمن لكم } [ التوبة : 94 ] تنبيهاً على أنهم لا يرعَوُون عن الكذب ومخادعة المسلمين ، فإذا قيل لهم { لن نؤمن لكم } [ التوبة : 94 ] حلفوا على أنهم صادقون ترويجاً لخداعهم : وهذا إخبار بما سيلاقِي به المنافقون المسلمين قبل وقوعه وبعد رجوع المسلمين من الغزو .
و { إذا } هنا ظرف للزمن الماضي . وحذف المحلوف عليه لظهوره ، ولتقدم نظيره في قوله : { وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم } [ التوبة : 42 ] إلا أن ما تقدم في حلفهم قبل الخروج .
والانقلاب : الرجوع ، وتقدم في قوله { انقلبتم على أعقابكم } في آل عمران ( 144 ) .
وصرح بعلة الحلف هنا أنه لقصد إعراض المسلمين عنهم ، أي عن عتابهم وتقريعهم ، للإشارة إلى أنهم لا يقصدون تطييب خواطر المسلمين ولكن أرادوا التملّص من مسبة العتاب ولَذْعِه . ولذلك قال في الآيتين الأخريين { يحلفون بالله لكم ليرضوكم } [ التوبة : 62 ] { يحلفون لكم لترضَوا عنهم } [ التوبة : 96 ] لأنّ ذلك كان قبل الخروج إلى الغزو فلما فات الأمر وعلموا أن حلفهم لم يصدقه المسلمون صاروا يحلفون لقصد أن يُعرض المسلمون عنهم .
وأدخل حرف ( عن ) على ضمير المنافقين بتقدير مضاف يدل عليه السياق لظهور أنهم يريدون الإعراض عن لومهم . ففي حذف المضاف تهيئة لتفريع التقريع الواقع بعده بقوله : { فأعرضوا عنهم } ، أي فإذا كانوا يرومون الإعراض عنهم فأعرضوا عنهم تماماً .
وهذا ضرب من التقريع فيه إطماع للمغضوب عليه الطالب بأنّه أجيبت طِلبته حتى إذا تأمّل وجد ما طمع فيه قد انقلب عكس المطلوب فصار يأساً لأنهم أرادوا الإعراض عن المعاتبة بالإمساك عنها واستدامة معاملتهم معاملةَ المسلمين ، فإذا بهم يواجهون بالإعراض عن مكالمتهم ومخالطتهم وذلك أشد مما حلفوا للتفادي عنه . فهم من تأكيد الشيء بما يشبه ضدّه أو من القول بالموجَب .
وجملة : { إنهم رجس } تعليل للأمر بالإعراض . ووقوع ( إنّ ) في أولها مؤذن بمعنى التعليل .
والرجس : الخبث . والمراد تشبيههم بالرجس في الدناءة ودنس النفوس . فهو رجس معنوي . كقوله : { إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان } [ المائدة : 90 ] .
و { جزاء } حال من { جهنم } ، أي مجازاة لهم على ما كانوا يعملون .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.