إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{سَيَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمۡ إِذَا ٱنقَلَبۡتُمۡ إِلَيۡهِمۡ لِتُعۡرِضُواْ عَنۡهُمۡۖ فَأَعۡرِضُواْ عَنۡهُمۡۖ إِنَّهُمۡ رِجۡسٞۖ وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُ جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (95)

{ سَيَحْلِفُونَ بالله لَكُمْ } تأكيداً لمعاذيرهم الكاذبةِ وتقريراً لها ، والسين للتأكيد ، والمحلوفُ عليه محذوفٌ يدل عليه الكلامُ وهو ما اعتذروا به من الأكاذيب ، والجملةُ بدلٌ من يعتذرون أو بيانٌ له { إِذَا انقلبتم } أي انصرفتم من الغزو { إِلَيْهِمُ } ومعنى الانقلابِ هو الرجوعُ والانصرافُ مع زيادة معنى الوصولِ والاستيلاء ، وفائدةُ تقييدِ حَلفِهم به الإيذانُ بأنه ليس لدفع ما خاطبهم النبي عليه السلام به من قوله تعالى : { لاَ تَعْتَذِرُواْ } الخ ، بل هو أمرٌ متبدأ { لِتُعْرِضُواْ } وتصفحوا { عَنْهُمْ } صفحَ رضا فلا توبّخوهم ولا تعاتبوهم كما يُفصح عنه قوله تعالى : { لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْ } { فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ } لكن لا إعراضَ رضا كما هو طِلْبتُهم بل إعراضَ اجتنابٍ ومقتٍ كما يعرب عنه قوله عز وجل : { إِنَّهُمْ رِجْسٌ } فإنه صريحٌ في أن المرادَ بالإعراض عنهم إما الاجتنابُ عنهم لما فيهم من الرجس الروحاني ، وإما تركُ استصلاحِهم بترك المعاتبةِ لأن المقصودَ بها التطهيرُ بالحمل على الإنابة ، وهؤلاء أرجاسٌ لا تقبل التطهير ، فلا يُتعرّضُ لهم بها وقوله عز وعلا : { وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ } إما من تمام التعليلِ فإن كونَهم من أهل النارِ من دواعي الاجتناب عنهم وموجباتِ تركِ استصلاحِهم باللوم والعتاب ، وإما تعليلٌ مستقلٌ أي وكفتْهم النارُ عتاباً وتوبيخاً فلا تتكلفوا أنتم في ذلك { جَزَاء } نُصب على أنه مصدرٌ مؤكد لفعل مقدر من لفظه وقع حالاً أي يُجزَون جزاءً أو لمضمون الجملةِ السابقة فإنها مفيدةٌ لمعنى المجازاةِ قطعاً كأنه قيل : مجزيّون جزاءً { بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } في الدنيا من فنون السيئاتِ أو على أنه مفعولٌ له .