اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{سَيَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمۡ إِذَا ٱنقَلَبۡتُمۡ إِلَيۡهِمۡ لِتُعۡرِضُواْ عَنۡهُمۡۖ فَأَعۡرِضُواْ عَنۡهُمۡۖ إِنَّهُمۡ رِجۡسٞۖ وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُ جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (95)

قوله تعالى : { سَيَحْلِفُونَ بالله لَكُمْ إِذَا انقلبتم إِلَيْهِمْ } الآية .

لمَّا حكى عنهم أنَّهم يعتذرون إليكم ، ذكر هنا أنَّهم يؤكدون تلك الأعذار بالأيمانِ الكاذبة " إذَا انقَلبْتُم " انصرفتم إليهم أنهم ما قدروا على الخروجِ . " لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ " أي : لتصفحوا عنهم ولا تؤنبوهم .

ثم قال تعالى : { فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ } قال ابن عباس : يريد ترك الكلام والسلام{[18051]} .

وقال مقاتل : قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة : " لا تُجالسُوهم ولا تكلموهم " {[18052]} . ثمَّ ذكر العلَّة في وجوب الإعراض عنهم ، فقال : " إنَّهُم رجْسٌ " والمعنى : أن خبث بواطنهم رجس روحاني ، فكما يجبُ الاحتراز عن الأرجاس الجسمانية ؛ فوجوب الاحتراز عن الأرجاس الروحانية أولى . وقيل : إنَّ عملهم قبيحٌ . { وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ } أي : منزلهم . قال الجوهريُّ : المأوى : كل مكان يأوي إليه شيء ليلاً أو نهاراً ، وقد أوى فلانٌ إلى منزله يأوي أويًّا ، على " فُعُول " ، وإوَاءً ، وأوَيْتُه إذا أنزَلْتَهُ بك ، فعلتُ وأفعلتُ ، بمعنى عن أبي زيدٍ . ومَأوِي الإبل - بكسر الواو - لغةٌ في مأوى الإبل خاصَّةً ، وهو شاذ .

قوله : " جَزَاءً . . . " يجوز أن ينتصب على المصدر بفعل من لفظه مقدر ، أي : يُجْزونَ جزاء ، وأن ينتصب بمضمون الجملة السابقة ؛ لأنَّ كونهُم يأوونَ في جهنم في معنى المجازاة ، ويجوزُ أن يكون مفعولاً من أجله .


[18051]:ذكره الرازي في "تفسيره" (16/13) عن ابن عباس.
[18052]:انظر المصدر السابق.