المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{إِنَّمَآ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَأَوۡلَٰدُكُمۡ فِتۡنَةٞۚ وَٱللَّهُ عِندَهُۥٓ أَجۡرٌ عَظِيمٞ} (15)

15- إنما أموالكم وأولادكم ابتلاء وامتحان ، إن اغتررتم بهما فُتنتم ، وإن شكرتم عليها أُجرتم ، والله عنده أجر عظيم للشاكرين .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّمَآ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَأَوۡلَٰدُكُمۡ فِتۡنَةٞۚ وَٱللَّهُ عِندَهُۥٓ أَجۡرٌ عَظِيمٞ} (15)

ثم كرر هذا التحذير في صورة أخرى من فتنة الأموال والأولاد . وكلمة فتنة تحتمل معنيين :

الأول أن الله يفتنكم بالأموال والأولاد بمعنى يختبركم ، فانتبهوا لهذا ، وحاذروا وكونوا أبدا يقظين لتنجحوا في الابتلاء ، وتخلصوا وتتجردوا لله . كما يفتن الصائغ الذهب بالنار ليخلصه من الشوائب !

والثاني أن هذه الأموال والأولاد فتنة لكم توقعكم بفتنتها في المخالفة والمعصية ، فاحذروا هذه الفتنة لا تجرفكم وتبعدكم عن الله .

وكلا المعنيين قريب من قريب .

وقد روى الإمام أحمد - بإسناده - عن عبد الله بن بريدة : سمعت أبي بريدة يقول : " كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يخطب ، فجاء الحسن والحسين - رضي الله عنهما - عليهما قميصان أحمران ، يمشيان ويعثران فنزل رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] من المنبر فحملهما ، فوضعهما بين يديه . ثم قال : " صدق الله ورسوله . إنما أموالكم وأولادكم فتنة . نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران ، فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما " . . ورواه أهل السنة من حديث ابن واقد . فهذا رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وهذان ابنا بنته . . وإنه لأمر إذن خطير . وخطر . وإن التحذير والتنبيه فيه لضرورة يقدرها من خلق قلوب الناس ، وأودعها هذه المشاعر ، لتكفكف نفسها عن التمادي والإفراط ، وهي تعلم أن هذه الوشائج الحبيبة قد تفعل بها ما يفعل العدو ، وتؤدي بها إلى ما تؤدي إليه مكايد الأعداء !

ومن ثم يلوح لها بما عند الله بعد التحذير من فتنة الأموال والأولاد ، والعداوة المستسرة في بعض الأبناء والأزواج . فهذه فتنة ( والله عنده أجر عظيم ) . .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّمَآ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَأَوۡلَٰدُكُمۡ فِتۡنَةٞۚ وَٱللَّهُ عِندَهُۥٓ أَجۡرٌ عَظِيمٞ} (15)

ثم أخبر تعالى أن الأموال والأولاد { فتنة } تشغل المرء عن مراشده وتحمله من الرغبة في الدنيا على ما لا يحمده في آخرته ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : «الولد مجبنة »{[11143]} ( مبخلة ) ، وخرج أبو داود حديثاً في مصنفه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان يخطب يوم الجمعة على المنبر حتى جاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يجرانهما يعثران ويقومان ، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المنبر حتى أخذهما وصعد بهما ، ثم قرأ : { إنما أموالكم وأولادكم فتنة } الآية ، وقال إني رأيت هذين فلم أصبر ، ثم أخذ في خطبته{[11144]} .

قال القاضي أبو محمد : وهذه ونحوها هي فتنة الفضلاء ، فأما فتنة الجهال والفسقة ، فمؤدية إلى كل فعل مهلك ، وقال ابن مسعود : لا يقول أحدكم اللهم اعصمني عن الفتنة فإنه ليس يرجع أحد إلى أهل ومال إلا وهو مشتمل على فتنة ، ولكن ليقل : اللهم إني أعوذ بك من مضلات الفتن . وقال عمر لحذيفة : كيف أصبحت ؟ فقال : أصبحت أحب الفتنة وأكره الحق ، فقال عمر : ما هذا ؟ فقال : أحب ولدي وأكره الموت . وقوله تعالى : { والله عنده أجر عظيم } تزهيد في الدنيا وترغيب في الآخرة .


[11143]:أخرجه أبو يعلى في مسنده، ولفظه كما ذكره السيوطي في الجامع الصغير(الولد ثمرة القلب، وإنه مجبنة محزنة)، وقد رمز له السيوطي بأنه حديث ضعيف، وأخرجه البزار عن أبي سعيد بهذا اللفظ ثم قال:"لا نعرفه إلا بهذا الإسناد"، وقال أحمد: حدثنا الأشعث بن قيس قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد من كندة، فقال:(هل لك من ولد)؟ قلت: غلام وُلد لي في مخرجي إليك من ابنة حمد، ولوددت أن بمكانه سبع القوم، فقال:(لا تقولن ذلك فإن فيهم قرة عين وأجرا إذا قُبضوا)، ثم قال:(ولئن قلت ذاك غنهم لمجبنة محزنة)، قال الإمام ابن كثير في تفسيره: تفرد به أحمد.
[11144]:أخرجه ابن أبي شيبة، وأحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والحاكم، وابن مردويه، عن بُريدة رضي الله عنه، وأخرج مثله ابن مردويه عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما(الدر المنثور).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّمَآ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَأَوۡلَٰدُكُمۡ فِتۡنَةٞۚ وَٱللَّهُ عِندَهُۥٓ أَجۡرٌ عَظِيمٞ} (15)

تذييل لأن فيه تعميمَ أحوال الأولاد بعد أن ذُكر حال خاص ببعْضهم .

وأدمج فيه الأموال لأنها لم يشملها طلب الحذر ولا وصف العداوة . وقدم ذكر الأموال على الأولاد لأن الأموال لم يتقدم ذكرها بخلاف الأولاد .

ووجه إدماج الأموال هنا أن المسلمين كانوا قد أصيبوا في أموالهم من المشركين فغلبوهم على أموالهم ولم تُذكر الأموال في الآية السابقة لأن الغرض هو التحذير من أشد الأشياء اتصالاً بهم وهي أزواجهم وأولادهم . ولأن فتنة هؤلاء مضاعفة لأن الداعي إليها يكون من أنفسهم ومن مساعي الآخرين وتسويلهم . وجُرد عن ذكر الأزواج هنا اكتفاء لدلالة فتنة الأولاد عليهن بدلالة فحوى الخطاب ، فإن فتنتهن أشد من فتنة الأولاد لأن جُرْأتهن على التسويل لأزواجهن ما يحاولنه منهم أشد من جرأة الأولاد .

والقصر المستفاد من { إنما } قصر موصوف على صفة ، أي ليست أموالكم وأولادكم إلا فتنةً . وهو قصر ادعائي للمبالغة في كثرة ملازمة هذه الصفة للموصوف إذ يندُر أن تخلو أفرادُ هذين النوعين ، وهما أموال المسلمين وأولادهم عن الاتصاف بالفتنة لمن يتلبس بهما .

والإِخبار ب { فتنة } للمبالغة . والمراد : أنهم سبب فتنة سواء سعوا في فعل الفَتْن أم لم يسعوا . فإن الشغل بالمال والعناية بالأولاد فيه فتنة .

ففي هذه الآية من خصوصيات علم المعاني التذييلُ والإِدماج ، وكلاهما من الإِطناب ، والاكتفاءُ وهو من الإِيجاز ، وفيها الإِخبار بالمصدر وهو { فتنة } ، والإِخبار به من المبالغة فهذه أربعة من المحسنات البديعية ، وفيها القصر ، وفيها التعليل ، وهو من خصوصيات الفصل ، وقد يعد من محسنات البديع أيضاً فتلك ست خصوصيات .

وفصلت هذه الجملة عن التي قبلها لأنها اشتملت على التذييل والتعليل وكلاهما من مقتضيات الفصل .

والفتنة : اضطراب النفس وحيرتها من جراء أحوال لا تلائم مَن عرضت له ، وتقدم عند قوله تعالى { والفتنة أشد من القتل } في سورة [ البقرة : 191 ] .

أخرج أبو داود عن بريدة قال : إن رسول الله كان يخطب يوم الجمعة حتى جاء الحسن والحسين يعثران ويقومان فنزل رسول الله عن المنبر فأخذهما وجذبهما ثم قرأ إنما أموالكم وأولادكم فتنة } . وقال : رأيت هذين فلم أصبر ، ثُم أخذ في خطبته » .

وذكر ابن عطية : أن عمر قال لحذيفة : كيف أصبحتَ فقال : أصبحتُ أحب الفتنة وأكره الحق . فقال عمر : ما هذا ؟ فقال : أحب ولدي وأكره الموت .

وقوله : { والله عنده أجر عظيم } عطف على جملة { إنما أموالكم وأولادكم فتنة } لأن قوله : { عنده أجر عظيم } كناية عن الجزاء عن تلك الفتنة لمن يصابر نفسه على مراجعة ما تسوله من الانحراف عن مرضاة الله إن كان في ذلك تسويل . والأجر العظيم على إعطاء حق المال والرأفة بالأولاد ، أي والله يؤجركم عليها . لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من ابتُلي من هذه البنات بشيء وكنّ له ستراً من النار " وفي حديث آخر " إن الصبر على سوء خلق الزوجة عبادة " .

والأحاديث كثيرة في هذا المعنى منها ما رواه حذيفة : فتنة الرجل في أهله وماله تكفرها الصلاة والصدقة .