المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{مَا كَانَ لِيَ مِنۡ عِلۡمِۭ بِٱلۡمَلَإِ ٱلۡأَعۡلَىٰٓ إِذۡ يَخۡتَصِمُونَ} (69)

ما كان لى من علم بأخبار الملأ الأعلى وقت اختصامهم في شأن آدم ، لأني لم أسلك للعلم الطريق المتعارف بين الناس من قراءة الكتب ، أو التلقي عن المعلمين ، وطريق علمي هو : الوحي .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{مَا كَانَ لِيَ مِنۡ عِلۡمِۭ بِٱلۡمَلَإِ ٱلۡأَعۡلَىٰٓ إِذۡ يَخۡتَصِمُونَ} (69)

65

وقل لهم : إن ما جئتهم به وما يعرضون عنه أكبر وأعظم مما يظنون . وإن وراءه ما وراءه مما هم عنه غافلون :

( قل : هو نبأ عظيم . أنتم عنه معرضون ) . .

وإنه لأمر أعظم بكثير من ظاهره القريب . إنه أمر من أمر الله في هذا الوجود كله . وشأن من شؤون هذا الكون بكامله . إنه قدر من قدر الله في نظام هذا الوجود . ليس منفصلاً ولا بعيداً عن شأن السماوات والأرض ، وشأن الماضي السحيق والمستقبل البعيد .

ولقد جاء هذا النبأ العظيم ليتجاوز قريشاً في مكة ، والعرب في الجزيرة ، والجيل الذي عاصر الدعوة في الأرض . ليتجاوز هذا المدى المحدود من المكان والزمان ؛ ويؤثر في مستقبل البشرية كلها في جميع أعصارها وأقطارها ؛ ويكيف مصائرها منذ نزوله إلى الأرض إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها . ولقد نزل في أوانه المقدر له في نظام هذا الكون كله ، ليؤدي دوره هذا في الوقت الذي قدره الله له .

ولقد حول خط سير البشرية إلى الطريق الذي خطته يد القدر بهذا النبأ العظيم . سواء في ذلك من آمن به ومن صدّ عنه . ومن جاهد معه ومن قاومه . في جيله وفي الأجيال التي تلته . ولم يمر بالبشرية في تاريخها كله حادث أو نبأ ترك فيها من الآثار ما تركه هذا النبأ العظيم .

ولقد أنشأ من القيم والتصورات ، وأرسى من القواعد والنظم في هذه الأرض كلها ، وفي أجيال البشرية جميعها ، ما لم يكن العرب يتصورونه ولو في الخيال !

وما كانوا يدركون في ذلك الزمان أن هذا النبأ إنما جاء ليغير وجه الأرض ؛ ويوجه سير التاريخ ؛ ويحقق قدر الله في مصير هذه الحياة ؛ ويؤثر في ضمير البشرية وفي واقعها ؛ ويصل هذا كله بخط سير الوجود كله ، وبالحق الكامن في خلق السماوات والأرض وما بينهما . وأنه ماض كذلك إلى يوم القيامة . يؤدي دوره في توجيه أقدار الناس وأقدار الحياة .

والمسلمون اليوم يقفون من هذا النبأ كما وقف منه العرب أول الأمر . لا يدركون طبيعته وارتباطها بطبيعة الوجود ؛ ولا يتدبرون الحق الكامن فيه ليعلموا أنه طرف من الحق الكامن في بناء الوجود ؛ ولا يستعرضون آثاره في تاريخ البشرية وفي خط سيرها الطويل استعراضاً واقعياً ، يعتمدون فيه على نظرة مستقلة غير مستمدة من أعداء هذا النبأ الذين يهمهم دائماً أن يصغروا من شأنه في تكييف حياة البشر وفي تحديد خط التاريخ . . ومن ثم فإن المسلمين لا يدركون حقيقة دورهم سواء في الماضي أو الحاضر أو المستقبل . وأنه دور ماض في هذه الأرض إلى آخر الزمان . .

ولقد كان العرب الأولون يظنون أن الأمر هو أمرهم وأمر محمد بن عبدالله [ صلى الله عليه وسلم ] واختياره من بينهم ، لينزل عليه الذكر . وكانوا يحصرون همهم في هذه الشكلية . فالقرآن يوجه أنظارهم بهذا إلى أن الأمر أعظم من هذا جداً . وأنه أكبر منهم ومن محمد بن عبد الله [ صلى الله عليه وسلم ] وأن محمداً ليس إلا حاملاً لهذا النبأ ومبلغاً ؛ وأنه لم يبتدعه ابتداعاً ؛ وما كان له أن يعلم ما وراءه لولا تعليم الله إياه ؛ وما كان حاضراً ما دار في الملأ الأعلى منذ البدء إنما أخبره الله :

ما كان لي من علم بالملأ الأعلى إذ يختصمون أن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين . .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{مَا كَانَ لِيَ مِنۡ عِلۡمِۭ بِٱلۡمَلَإِ ٱلۡأَعۡلَىٰٓ إِذۡ يَخۡتَصِمُونَ} (69)

{ ما كان لي من علم بالملأ الأعلى إذ يختصمون } : فإن إخباره عن تقاول الملائكة وما جرى بينهم على ما ورد في الكتب المتقدمة من غير سماع ومطالعة كتاب لا يتصور إلا بالوحي ، و { إذ } متعلق ب { علم } أو بمحذوف إذ التقرير من علم بكلام الملأ الأعلى .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{مَا كَانَ لِيَ مِنۡ عِلۡمِۭ بِٱلۡمَلَإِ ٱلۡأَعۡلَىٰٓ إِذۡ يَخۡتَصِمُونَ} (69)

قال : { ما كان لي من علم بالملإ الأعلى إذ يختصمون } وهذا احتجاج لصحة أمر محمد صلى الله عليه وسلم كأنه يقول : هذا أمر خطر وأنتم تعرضون عنه مع صحته ، ودليل صحته أني أخبركم فيه بغيوب لم تأت إلا من عند الله ، فإني لم يكن لي علم بالملأ الأعلى ، أراد به الملائكة . والضمير في : { يختصمون } عند جمهور المفسرين هو للملائكة .

واختلف الناس في الشيء الذي هو اختصامهم فيه ، فقالت : فرقة اختصامهم في أمر آدم وذريته في جعلهم في الأرض ، ويدل على ذلك ما يأتي من الآيات ، فقول الملائكة : { أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء } [ البقرة : 30 ] هو الاختصام ، وقالت فرقة : بل اختصامهم في الكفارات وغفر الذنوب ونحوه ، فإن العبد إذا فعل حسنة اختلف الملائكة في قدر ثوابه في ذلك حتى يقضي الله بما شاء ، وورد في هذا حديث فسره ابن فورك ، لأنه يتضمن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ربه عز وجل في نومه : فيم يختصمون ؟ فقلت لا أدري ، فقال في الكفارات ، وهي إسباغ الوضوء في السبرات ونقل الخطى إلى الجماعات الحديث بطوله قال : ( فوضع الله يده بين كتفي حتى وجدت بردها بين ثديي ) .

قال القاضي أبو محمد : فتفسير هذا الحديث أن اليد هي نعمة العلم .

وقوله : بردها ، أي السرور بها والثلج ، كما تقول العرب في الأمر السار : يا برده على الكبد ونحو هذا ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : «الصلاة بالليل هي الغنيمة الباردة » أي السهلة التي يسر بها الإنسان . وقالت فرقة : المراد بقوله : { بالملإ الأعلى } الملائكة .

وقوله : { إذ يختصمون } مقطوع منه معناه : إذ تختصم العرب الكافر في الملإ فيقول بعضها هي بنات الله ، ويقول بعضها : هي آلهة تعبد ، وغير ذلك من أقوالهم ، وقالت فرقة : أراد ب «الملأ الأعلى » قريشاً . وهذا قول ضعيف لا يتقوى من جهة .