وفي النهاية يجيء ذلك التقرير الشامل عن موقف أنبياء بني إسرائيل من كفار بني إسرائيل ، على مدى التاريخ ؛ ممثلا في موقف داود وموقف عيسى - عليهما السلام - وكلاهما لعن كفار بني إسرائيل ، واستجاب الله له . بسبب عصيانهم وعدوانهم ، وبسبب انحلالهم الاجتماعي ، وسكوتهم على المنكر يفشو فيهم فلا يتناهون عنه ؛ وبسبب توليهم الكافرين ؛ فباءوا بالسخط واللعنة ، وكتب عليهم الخلود في العذاب .
( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم . ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون . كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه . لبئس ما كانوا يفعلون ! ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا . لبئس ما قدمت لهم أنفسهم : أن سخط الله عليهم ، وفي العذاب هم خالدون . ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء . ولكن كثيرا منهم فاسقون ) . .
وهكذا يبدو أن تاريخ بني إسرائيل في الكفر والمعصية واللعنة عريق . وأن أنبياءهم الذين أرسلوا لهدايتهم وإنقاذهم ، هم في النهاية الذين تولوا لعنتهم وطردهم من هداية الله ؛ فسمع الله دعاءهم وكتب السخط واللعنة على بني إسرائيل .
والذين كفروا من بني إسرائيل هم الذين حرفوا كتبهم المنزلة ؛ وهم الذين لم يتحاكموا إلى شريعة الله - كما مر في المواضع القرآنية المتعددة في هذه السورة وفي السور غيرها - وهم الذين نقضوا عهد الله معهم لينصرن كل رسول ويعزرونه ويتبعونه :
( ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ) . .
فهي المعصية والاعتداء ؛ يتمثلان في كل صورهما الاعتقادية والسلوكية على السواء . وقد حفل تاريخ بني إسرائيل بالمعصية والاعتداء . . كما فصل الله في كتابه الكريم .
{ لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم } أي لعنهم الله في الزبور والإنجيل على لسانهما . وقيل إن أهل أيلة لما اعتدوا في السبت لعنهم الله تعالى على لسان داود فمسخهم الله تعالى قردة ، وأصحاب المائدة لما كفروا دعا عليهم عيسى عليه السلام ولعنهم فأصبحوا خنازير وكانوا خمسة آلاف رجل . { ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون } أي ذلك اللعن الشنيع المقتضي للمسخ بسبب عصيانهم واعتدائهم ما حرم عليهم .
وقوله تعالى : { لعن الذين كفروا من بني إسرائيل } الآية . قد تقرر في غير موضع من القرآن ما جرى في مدة موسى من كفر بعضهم وعتوهم ، وكذلك أمرهم مع محمد عليه السلام كان مشاهداً في وقت نزول القرآن ، فخصت هذه الآية داود وعيسى إعلاماً بأنهم لعنوا في الكتب الأربعة وأنهم قد لعنوا على لسان غير موسى ومحمد عليهما السلام ، وقال ابن عباس رحمه الله : لعنوا بكل لسان لعنوا على عهد موسى في التوراة وعلى عهد داود في الزبور وعلى عهد عيسى في الإنجيل وعلى عهد محمد في القرآن ، وروى ابن جريج أنه اقترن بلعنتهم على لسان داود أن مسخوا خنازير ، وذلك أن داود عليه السلام مر على نفر وهم في بيت فقال من في البيت ؟ قالوا : خنازير على معنى الانحجاب ، قال : اللهم اجعلهم خنازير ، فكانوا خنازير ، ثم دعا عيسى على من افترى عليه على أن يكونوا قردة فكانوا قردة ، وقال مجاهد وقتادة : بل مسخوا في زمن داود قردة وفي زمن عيسى خنازير ، وحكى الزجّاج نحوه .
قال القاضي أبو محمد : وذكر المسخ ليس مما تعطيه ألفاظ الآية ، وإنما تعطي ألفاظ الآية أنهم لعنهم الله وأبعدهم من رحمته وأعلم بذلك العباد المؤمنون على لسان داود النبي في زمنه وعلى لسان عيسى في زمنه ، وروي عن ابن عباس أنه قال : لعن على لسان داود أصحاب السبت ، وعلى لسان عيسى الذين كفروا بالمائدة ، وقوله تعالى : { ذلك } إشارة إلى لعنتهم وباقي الآية بيّن .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.