إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۢ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُۥدَ وَعِيسَى ٱبۡنِ مَرۡيَمَۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعۡتَدُونَ} (78)

{ لُعِنَ الذين كَفَرُوا } أي لعنهم الله عز وجل ، وبناءُ الفعل للمفعول للجَرْي على سَنن الكبرياء { مِن بَنِي إسرائيل } متعلق بمحذوفٍ وقع حالاً من الموصول أو من فاعل كفروا ، وقوله تعالى : { على لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابن مَرْيَمَ } متعلق بلُعن أي لعنهم الله تعالى في الزبور والإنجيل على لسانهما ، وقيل : إن أهل أَيْلةَ لما اعتدَوا في السبت دعا عليهم داود عليه السلام وقال : اللهم العنهم واجعلهم آية ، فمسخهم الله قردة ، وأصحابُ المائدة لما كفروا قال عيسى عليه السلام : اللهم عذِّبْ من كفر بعدما أكل من المائدة عذاباً لم تعذِّبْه أحداً من العالمين ، والعنهم كما لعنت أصحاب السبت ، فأصبحوا خنازيرَ وكانوا خمسة آلاف رجل ما فيهم امرأة ولا صبي { ذلك } إشارة إلى اللعن المذكور وإيثارُه على الضمير للتنبيه على كمال ظهوره وامتيازِه عن نظائره وانتظامِه بسببه في سلك الأمور المشاهدة ، وما فيه من معنى البعد للإيذان بكمال فظاعته وبعد درجته في الشناعة ، وهو مبتدأ خبره قوله تعالى : { بِمَا عَصَوا وكَانُوا يَعْتَدُونَ } والجملة مستأنَفةٌ واقعة موقع الجواب عما نشأ من الكلام كأنه قيل : بأي سبب وقع ذلك ؟ فقيل : ذلك اللعنُ الهائل الفظيعُ بسبب عصيانهم واعتدائهم المستمر ، كما يفيده الجمعُ بين صيغتي الماضي والمستقبل .