الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۢ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُۥدَ وَعِيسَى ٱبۡنِ مَرۡيَمَۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعۡتَدُونَ} (78)

أخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود قال : كان الرجل يلقى الرجل فيقول له : يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك ، ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده ، فلما فعلوا ذلك ضرب الله على قلوب بعضهم ببعض . قال { لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود } إلى قوله { فاسقون } ثم قال : كلا والله لتأمرن بالمعروف ، ولتنهون عن المنكر ، ولتأخذن على يدي الظالم ، ولتأطرنه على الحق اطراء .

وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ والطبراني وابن مردويه عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن بني اسرائيل لما عملوا الخطيئة نهاهم علماؤهم تعزيراً ، ثم جالسوهم وآكلوهم وشاربوهم كأن لم يعملوا بالأمس خطيئة ، فلما رأى الله ذلك منهم ضرب بقلوب بعضهم على بعض ، ولعنهم على لسان نبي من الأنبياء ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : والله لتأمرن بالمعروف ، ولتنهن عن المنكر ، ولتأطرنهم على الحق أطراً ، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ، وليلعننكم كما لعنهم » .

وأخرج عبد بن حميد عن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « خذوا العطاء ما كان عطاء ، فإذا كان رشوة عن دينكم فلا تأخذوه ، ولن تتركوه يمنعكم من ذلك الفقر والمخافة ، إن بني يأجوج قد جاؤوا ، وإن رحى الإسلام ستدور ، فحيث ما دار القرآن فدوروا به ، يوشك السلطان والقرآن أن يقتتلا ويتفرقا ، إنه سيكون عليكم ملوك يحكمون لكم بحكم ولهم بغيره ، فإن أطعتموهم أضلوكم ، وإن عصيتموهم قتلوكم ، قالوا : يا رسول الله فكيف بنا إن أدركنا ذلك ؟ قال : تكونون كأصحاب عيسى ، نشروا بالمناشير ، ورفعوا على الخشب ، موت في طاعة خير من حياة في معصية ، إن أول ما كان نقص في بني إسرائيل أنهم كانوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر شبه التعزير ، فكان أحدهم إذا لقي صاحبه الذي كان يعيب عليه آكله وشاربه كأنه لم يعب عليه شيئاً ، فلعنهم الله على لسان داود ، وذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ، والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ، ولتنهون عن المنكر ، أو ليسلطنَّ الله عليكم شراركم ، ثم ليدعون خياركم فلا يستجاب لكم ، والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ، ولتنهن عن المنكر ، ولتأخذن على يد الظالم فلتأطرنه عليه أطرا ، أو ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض » .

وأخرج ابن راهويه والبخاري في الوحدانيات وابن السكن وابن منده والباوردي في معرفة الصحابة والطبراني وأبو نعيم وابن مردويه عن ابن أبزى عن أبيه قال « خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكر طوائف من المسلمين فأثنى عليهم خيراً ، ثم قال : ما بال أقوام لا يعلمون جيرانهم ولا يفقهونهم ولا يفطنونهم ولا يأمرونهم ولا ينهونهم ، وما بال أقوام لا يتعلمون من جيرانهم ولا يتفقهون ولا يتفطنون ، والذي نفسي بيده ليعلمن جيرانه أو ليتفقهن أو ليفطنن ، أو لأعاجلنهم بالعقوبة في دار الدنيا ، ثم نزل فدخل بيته . فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : من يعني بهذا الكلام ؟ ! قالوا : ما نعلم يعني بهذا الكلام إلا الأشعريين ، فقهاء علماء ، ولهم جيران من أهل المياه جفاة جهلة ، فاجتمع جماعة من الأشعريين فدخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ذكرت طوائف من المسلمين بخير وذكرتنا بشر ، فما بالنا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لتعلمن جيرانكم ولتفقهنهم ولتأمرنهم ولتنهونهم ، أو لأعاجلنكم بالعقوبة في دار الدنيا ، فقالوا : يا رسول الله ، فأما إذن فأمهلنا سنة ، ففي سنة ما نعلمه ويتعلمون ، فامهلهم سنة ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون } » .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { لُعِن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود } يعني في الزبور { وعيسى } يعني في الإنجيل .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { لعن الذين كفروا . . . } الآية . قال : لعنوا بكل لسان ، لعنوا على عهد محمد في القرآن .

وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس { لعن الذين كفروا . . . } الآية . خالطوهم بعد النهي على تجارهم ، فضرب الله قلوب بعضهم على بعض ، وهم ملعونون على لسان داود وعيسى ابن مريم .

وأخرج أبو عبيد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي مالك الغفاري في الآية قال : لعنوا على لسان داود فجُعلوا قردة ، وعلى لسان عيسى فجُعِلوا خنازير .

وأخرج ابن جرير عن مجاهد . مثله .

وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة في الآية قال : لعنهم الله على لسان داود في زمانهم ، فجعلهم قردة خاسئين ، ولعنهم في الإنجيل على لسان عيسى فجعلهم خنازير .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله { ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون } ماذا كان بعضهم ؟ قالوا { لا يتناهون عن منكر فعلوه } .

وأخرج أبو الشيخ عن أبي عمرو بن حماس أن ابن الزبير قال لكعب : هل لله من علامة في العباد إذا سخط عليهم ؟ قال : نعم ، يذلهم فلا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر ، وفي القرآن { لعن الذين كفروا من بني إسرائيل . . . } الآية .

وأخرج الديلمي في مسند الفردوس عن أبي عبيدة بن الجراح مرفوعاً « قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبياً من أوّل النهار ، فقام مائة واثنا عشر رجلاً من عبادهم ، فأمروهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر ، فقتلوا جميعاً في آخر النهار ، فهم الذين ذكر الله { لعن الذين كفروا من بني إسرائيل . . . } الآيات » .

وأخرج أحمد والترمذي وحسنه والبيهقي عن حذيفة بن اليمان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ، أو ليوشكن أن يبعث الله عليكم عقاباً من عنده ، ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم » .

وأخرج ابن ماجة عن عائشة قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا فلا يستجاب لكم » .

وأخرج مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان » .

وأخرج أحمد عن عدي بن عميرة . سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة ، حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه ، فإذا فعلوا ذلك عذب الله العامة والخاصة » .

وأخرج الخطيب في رواة مالك من طريق أبي سلمة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكرونه ، فإذا فعلوا ذلك عذب الله الخاصة والعامة » .

وأخرج الخطيب في رواية مالك من طريق أبي سلمة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « والذي نفس محمد بيده ، ليخرجن من أمتي أناس من قبورهم في صورة القردة والخنازير ، داهنوا أهل المعاصي ، سكتوا عن نهيهم وهم يستطيعون » .

وأخرج الحكيم والترمذي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا عظمت أمتي الدنيا نزعت منها هيبة الإسلام ، وإذا تركت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حرمت بَرَكة الوحي ، وإذا تسابَّت أمتي سقطت من عين الله » .

وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال « قيل يا رسول الله ، أتهلك القرية فيهم الصالحون ؟ قال : نعم . فقيل يا رسول الله . . . ؟ ! قال : تهاونهم وسكوتهم عن معاصي الله عز وجل » .

وأخرج الطبراني عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « إن من كان قبلكم من بني إسرائيل إذا عمل العامل فيهم الخطيئة فنهاه الناهي تعزيراً ، فإذا كان من الغد جالسه وآكله وشاربه كأنه لم يره على خطيئة بالأمس ، فلما رأى الله ذلك منهم ضرب بقلوب بعضهم على بعض ، ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم { ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون } والذي نفس محمد بيده لتأمرن بالمعروف ، ولتنهن عن المنكر ، ولتأخذن على يد المسيء ، ولتأطرنه على الحق أطرا ، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ، ويلعنكم كما لعنهم » .

وأخرج الديلمي عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا استغنى النساء بالنساء ، والرجال بالرجال ، فبشروهم بريح حمراء تخرج من قبل المشرق ، فينسخ ببعضهم ، ويخسف ببعض { ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون } » .