وقوله : { قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ } أي : على رءوس الأشهاد في الملإ الأكبر بحضرة الناس كلهم ، وكان هذا هو المقصود الأكبر لإبراهيم أن يتبين{[19673]} في هذا المحفل العظيم كثرة جهلهم وقلة عقلهم{[19674]} في عبادة هذه الأصنام التي لا تدفع عن نفسها ضرًا ، ولا تملك{[19675]} لها نصرًا ، فكيف يطلب منها شيء من ذلك ؟ .
وقوله : فَأْتُوا بِهِ عَلى أعْيُنِ النّاسِ لَعَلّهُمْ يَشْهَدُونَ يقول تعالى ذكره : قال قوم إبراهيم بعضهم لبعض : فأتوا بالذي فعل هذا بآلهتنا الذي سمعتموه يذكرها بعيب ويسبّها ويذمها على أعين الناس فقيل : معنى ذلك : على رؤس الناس ، وقال بعضهم : معناه : بأعين الناس ومرأى منهم ، وقالوا : إنما أريد بذلك أظهروا الذي فعل ذلك للناس كما تقول العرب إذا ظهر الأمر وشهر : كان ذلك على أعين الناس ، يراد به كان بأيدي الناس .
واختلف أهل التأويل قوله : لَعَلّهُمْ يَشْهَدُونَ فقال بعضهم : لعلّ الناس يشهدون عليه أنه الذي فعل ذلك ، فتكون شهادتهم عليه حجة لنا عليه . وقالوا : إنما فعلوا ذلك لأنهم كرهوا أن يأخذوه بغير بينة . ذكر من قال ذلك :
حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : فَأْتُوا بِهِ عَلى أعْيُنِ النّاسِ لَعَلّهُمْ يَشْهَدونَ عليه أنه فعل ذلك .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : فَأْتُوا بِهِ عَلى أعْيُنِ النّاسِ لَعَلّهُمْ يَشْهَدونَ قال : كرهوا أن يأخذوه بغير بيّنة .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : لعلهم يشهدون ما يعاقبونه به ، فيعاينونه ويرونه . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : بلغ ما فعل إبراهيم بآلهة قومه نمرود ، وأشراف قومه ، فقالوا : فَأْتُوا بِهِ عَلى أعْيُنِ النّاسِ لَعَلّهُمْ يَشْهَدونَ : أي ما يُصْنع به .
وأظهرُ معنى ذلك أنهم قالوا : فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون عقوبتنا إياه ، لأنه لو أريد بذلك ليشهدوا عليه بفعله كان يقال : انظروا من شهده يفعل ذلك ، ولم يقل : أحضروه بمجمع من الناس .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: قال قوم إبراهيم بعضهم لبعض: فأتوا بالذي فعل هذا بآلهتنا الذي سمعتموه يذكرها بعيب ويسبّها ويذمها "على أعين الناس "فقيل: معنى ذلك: على رؤوس الناس، وقال بعضهم: معناه: بأعين الناس ومرأى منهم، وقالوا: إنما أريد بذلك أظهروا الذي فعل ذلك للناس كما تقول العرب إذا ظهر الأمر وشهر: كان ذلك على أعين الناس، يراد به كان بأيدي الناس.
واختلف أهل التأويل قوله: "لَعَلّهُمْ يَشْهَدُونَ"؛ فقال بعضهم: لعلّ الناس يشهدون عليه أنه الذي فعل ذلك، فتكون شهادتهم عليه حجة لنا عليه. وقالوا: إنما فعلوا ذلك لأنهم كرهوا أن يأخذوه بغير بينة...
وقال آخرون: بل معنى ذلك: لعلهم يشهدون ما يعاقبونه به، فيعاينونه ويرونه... عن ابن إسحاق، قال: بلغ ما فعل إبراهيم بآلهة قومه نمرود، وأشراف قومه، فقالوا: "فَأْتُوا بِهِ عَلى أعْيُنِ النّاسِ لَعَلّهُمْ يَشْهَدونَ": أي ما يُصْنع به.
وأظهرُ معنى ذلك أنهم قالوا: فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون عقوبتنا إياه، لأنه لو أريد بذلك ليشهدوا عليه بفعله كان يقال: انظروا من شهده يفعل ذلك، ولم يقل: أحضروه بمجمع من الناس.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
قال بعضهم: يشهدون عقوبته بما فعل بأصنامهم، فيكون نكالا له وزجرا لغيره عن أن يفعل بها مثل ما فعل هو...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
{على أعين الناس} يريد في الحفل وبمحضر الجمهور.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
أي: على رؤوس الأشهاد في الملإ الأكبر بحضرة الناس كلهم، وكان هذا هو المقصود الأكبر لإبراهيم أن يتبين في هذا المحفل العظيم كثرة جهلهم وقلة عقلهم في عبادة هذه الأصنام التي لا تدفع عن نفسها ضرًا، ولا تملك لها نصرًا، فكيف يطلب منها شيء من ذلك؟.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{قالوا} مسببين عن هذا كارهين لأن يأخذوه سراً فيقال: أخذ بغير بينة، وهم كفرة وهو قد خالفهم في دينهم، فإلى الله المشتكى من قوم يأخذون أكابر أهل دينهم بغير بينة بل ولا ظنة، {فأتوا به} إلى هنا أي إلى بيت الأصنام {على أعين الناس} أي جهرة، والناس ينظرون إليه نظراً لا خفاء معه حتى كأنه ماشٍ على أبصارهم، متمكناً منها تمكن الراكب على المركوب، وعبر بالعين عن البصر ليفهم الأكابر، ويجمع القلة لإفادة السياق الكثرة، فيفيد الأمران قلة ما، لئلا يتوهم من جمع الكثرة جميع الناس مطلقاً {لعلهم} إذا رأوه {يشهدون} أي أنه فعل بالآلهة هذا الفعل، أو أنه ذكرها بسوء، فيكون ذلك مسوغاً لأخذه بذلك، أو يشهد بفعله بعضهم، لأن الشيء إذا حضر كانت أحواله بالذكر أولى منها إذا كان غائباً، وكان هذا عين ما قصده الخليل عليه السلام أن يبين -في هذا المحفل الذي لا يوجد مثله- ما هم عليه من واضح الجهل المتضمن قلة العقل.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
(قالوا: فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون).. وقد قصدوا إلى التشهير به، وإعلان فعلته على رؤوس الأشهاد!
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
كانت غيرتهم على آلهتهم شديدة أصابتهم فعلة إبراهيم بحسرة، ثم بلوعة، ثم بحب النقمة والتحفز بها، فاشتدت عزيمتهم على إنزال الأذى، فاجتمعت جموعهم وقالوا: {فأتوا به على أعين الناس}، اعرضوه على الأعين، لتركب صورته على عقولهم، وفوق أعينهم، وفي ذلك مجاز بتشبيه رؤيتهم المدققة المرددة كرتين بالشيء الذي ركب عليها لكيلا تنساه وتنزل في قلوبهم الحانقة الغاضبة.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
إنّ المألوف عادةً عندما تقع جريمة في مكان ما، فإنّه ومن أجل كشف الشخص الذي قام بهذا العمل، تبحث علاقات الخصومة والعداء، ومن البديهي أنّه لم يكن هناك شخص في تلك البيئة من يعادي الأصنام غير إبراهيم، ولذلك توجّهت إليه أفكار الجميع، و (قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلّهم يشهدون) عليه بالجريمة. واحتمل بعض المفسّرين أن يكون المراد مشاهدة منظر عقاب إبراهيم، لا الشهادة على كونه مجرماً. غير أنّ الآيات المقبلة التي لها صبغة التحقيق والاستجواب تنفي هذا الاحتمال، إضافةً إلى أنّ التعبير ب«لعلّ» لا يناسب المعنى الثّاني، لأنّ الناس إذا حضروا ساحة العقاب فسيشاهدون ذلك المنظر حتماً، فلا معنى ل«لعلّ».