المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{يَعۡرِفُونَ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكۡثَرُهُمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ} (83)

83- إن إعراض هؤلاء الكفار ليس لأنهم يجهلون أن الله - سبحانه - هو مصدر كل النعم عليهم ، ولكنهم يعملون عمل من ينكرها حيث لم يشكروه عليها ، وأكثرهم جمد على تقليد الآباء في الكفر بالله ، حتى كان أكثرهم هم الجاحدون .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَعۡرِفُونَ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكۡثَرُهُمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ} (83)

77

وليكونن إذا جاحدين منكرين ، بعد ما عرفوا نعمة الله التي لا تقبل النكران !

( فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين . يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها ، وأكثرهم الكافرون )

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَعۡرِفُونَ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكۡثَرُهُمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ} (83)

{ يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا } ، أي : يعرفون أن الله تعالى هو المسدي إليهم ذلك ، وهو المتفضل به عليهم ، ومع هذا ينكرون ذلك ، ويعبدون معه غيره ، ويسندون النصر والرزق{[16630]} إلى غيره ، { وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ } :

- كما قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زُرْعَة ، حدثنا صفوان ، حدثنا الوليد حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، عن مجاهد ؛ أن أعرابيًا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله ، فقرأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم : { وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا } ، قال الأعرابي : نعم . قال : { وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ } ، قال الأعرابي : نعم . ثم قرأ عليه ، كل ذلك يقول الأعرابي : نعم ، حتى بلغ : { كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ } ، فولى الأعرابي ، فأنزل الله : { يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ }{[16631]} .


[16630]:في ف: "الرزق والنصر".
[16631]:أورده السيوطي في الدر المنثور (5/ 155) وعزاه لابن أبي حاتم وهو مرسل.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَعۡرِفُونَ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكۡثَرُهُمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ} (83)

وأما قوله : { يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللّهِ ثُمّ يُنْكِرُونَها } ، فإن أهل التأويل اختلفوا في المعنّى بالنعمة التي أخبر الله تعالى ذكره عن هؤلاء المشركين أنهم ينكرونها مع معرفتهم بها ، فقال بعضهم : هو النبيّ صلى الله عليه وسلم عرفوا نبوّته ثم جحدوها وكذبوه . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن السديّ : { يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللّهِ ثُمّ يُنْكِرُونَها } ، قال : محمد صلى الله عليه وسلم .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن السديّ ، مثله .

وقال آخرون : بل معنى ذلك أنهم يعرفون أن ما عدّد الله تعالى ذكره في هذه السورة من النعم من عند الله ، وأن الله هو المنعم بذلك عليهم ، ولكنهم يُنكرون ذلك ، فيزعمون أنهم ورثوه عن آبائهم . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثنا المثنى ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل وحدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللّهِ ثُمّ يُنْكِرُونَها } ، قال : هي المساكن والأنعام وما يرزقون منها ، والسرابيل من الحديد والثياب ، تعرف هذا كفار قريش ، ثم تنكره بأن تقول : هذا كان لآبائنا ، فروّحونا إياه .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، بنحوه ، إلا أنه قال : فورّثونا إياها . وزاد في الحديث عن ابن جريج ، قال ابن جريج : قال عبد الله بن كثير : يعلمون أن الله خلقهم وأعطاهم ما أعطاهم ، فهو معرفتهم نعمته ثم إنكارهم إياها كفرهم بعد .

وقال آخرون في ذلك ، ما :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا معاوية ، عن عمرو ، عن أبي إسحاق الفزاري ، عن ليث ، عن عون بن عبد الله بن عتبة : { يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللّهِ ثُمّ يُنْكِرُونَها } ، قال : إنكارهم إياها ، أن يقول الرجل : لولا فلان ما كان كذا وكذا ، ولولا فلان ما أصبت كذا وكذا .

وقال آخرون : معنى ذلك أن الكفار إذا قيل لهم : من رزقكم ؟ أقرّوا بأن الله هو الذي رزقهم ، ثم يُنكرون ذلك بقولهم : رزقنا ذلك بشفاعة آلهتنا .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب وأشبهها بتأويل الآية ، قول من قال : عُني بالنعمة التي ذكرها الله في قوله : { يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللّهِ } ، النعمة عليهم بإرسال محمد صلى الله عليه وسلم إليهم داعيا إلى ما بعثه بدعائهم إليه . وذلك أن هذه الآية بين آيتين كلتاهما خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعما بعث به ، فأولى ما بينهما أن يكون في معنى ما قبله وما بعده ، إذ لم يكن معنى يدلّ على انصرافه عما قبله وعما بعده فالذي قبل هذه الآية قوله : { فإنْ تَوَلّوْا فإنّمَا عَلَيْكَ البَلاغُ المُبِينُ يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللّهِ ثُمّ يُنْكِرُونَها } وما بعده : { وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلّ أُمّةٍ شَهِيدا } ، وهو رسولها . فإذا كان ذلك كذلك ، فمعنى الآية : يعرف هؤلاء المشركون بالله نعمة الله عليهم يا محمد بك ، ثم ينكرونك ويجحدون نبوّتك . { وأكْثَرُهُمُ الكافِرُونَ } يقول : وأكثر قومك الجاحدون نبوّتك ، لا المقرّون بها .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَعۡرِفُونَ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكۡثَرُهُمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ} (83)

{ يعرفون نعمة الله } أي يعرف المشركون نعمة الله التي عددها عليهم وغيرها حيث يعترفون بها وبأنها من الله تعالى . { ثم ينكرونها } بعبادتهم غير المنعم بها وقولهم إنها بشفاعة آلهتنا ، أو بسبب كذا أو بإعراضهم عن أداء حقوقها . وقيل نعمة الله نبوة محمد صلى الله عليه وسلم عرفوها بالمعجزات ثم أنكروها عنادا ومعنى ثم استبعاد الإنكار بعد المعرفة . { وأكثرهم الكافرون } الجاحدون عنادا ، وذكر الأكثر إما لأن بعضهم لم يعرف الحق لنقصان العقل أو التفريط في النظر ، أو لم تقم عليه الحجة لأنه لم يبلغ حد التكليف وإما لأنه يقام مقام الكل كما في قوله : { بل أكثرهم لا يعلمون } .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَعۡرِفُونَ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكۡثَرُهُمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ} (83)

استئناف بياني لأن تولّيهم عن الإسلام مع وفرة أسباب اتّباعه يثير سؤالاً في نفس السامع : كيف خفيت عليهم دلائل الإسلام ، فيجاب بأنهم عرفوا نعمة الله ولكنهم أعرضوا عنها إنكاراً ومكابرة . ويجوز أن تجعلها حالاً من ضمير { تولوا } [ سورة النحل : 82 ] . ويجوز أن تكون بدل اشتمال لجملة { تولوا } .

وهذه الوجوه كلها تقتضي عدم عطفها على ما قبلها . والمعنى : هم يعلمون نعمة الله المعدودة عليهم فإنهم منتفعون بها ، ومع تحقّقهم أنها نعمة من الله ينكرونها ، أي ينكرون شكرها فإن النّعمة تقتضي أن يشكُر المنعَمُ عليه بها من أنعم عليه ؛ فلما عبدوا ما لا ينعم عليهم فكأنهم أنكروها ، فقد أطلق فعل « ينكرون » بمعنى إنكار حقّ النّعمة ، فإسناد إنكار النّعمة إليهم مجاز لغوي ، أو هو مجاز عقلي ، أي ينكرون مُلابسها وهو الشكر .

و { ثمّ } للتراخي الرتبي ، كما هو شأنها في عطف الجمل ، فهو عطف على جملة { يعرفون نعمت الله } ، وكأنه قيل : وينكرونها ، لأن { ثمّ } لما كانت للعطف اقتضت التّشريك في الحكم ، ولما كانت للتراخي الرتبي زال عنها معنى المهلة الزمانية الموضوعة هي له فبقي لها معنى التّشريك وصارت المهلة مهلة رتبية لأن إنكار نعمة الله أمر غريب .

وإنكار النّعمة يستوي فيه جميع المشركين أيّمتهم ودهماؤهم ، ففريق من المشركين وهم أيّمة الكفر شأنهم التعقّل والتأمّل فإنهم عرفوا النّعمة بإقرارهم بالمنعِم وبما سمعوا من دلائل القرآن حتى تردّدوا وشكّوا في دين الشّرك ثم ركبوا رؤوسهم وصمّموا على الشّرك . ولهذا عبّر عن ذلك بالإنكار المقابل للإقرار .

وأما قوله تعالى : { وأكثرهم الكافرون } فظاهر كلمة « أكثر » وكلمة { الكافرون } أن الذين وصفوا بأنهم الكافرون هم غالب المشركين لا جميعهم ، فيحمل المراد بالغالب على دهماء المشركين . فإن معظمهم بسطاء العقول بعداء عن النّظر فهم لا يشعرون بنعمة الله ، فإن نعمة الله تقتضي إفراده بالعبادة . فكان إشراكهم راسخاً ، بخلاف عقلائهم وأهل النظر فإن لهم تردّداً في نفوسهم ولكن يحملهم على الكفر حبّ السيادة في قومهم . وقد تقدم قوله تعالى فيهم : { ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون } في سورة العقود ( 103 ) . وهم الذين قال الله تعالى فيهم في الآية الأخرى { فإنهم لا يكذّبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون } [ سورة الأنعام : 33 ] .