ذلك الذي قاله المترفون من كبراء قريش قاله قبلهم كل مترف أمام كل رسالة :
( وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها : إنا بما أرسلتم به كافرون ) . .
فهي قصة معادة ، وموقف مكرور ، على مدار الدهور . وهو الترف يغلظ القلوب ، ويفقدها الحساسية ؛ ويفسد الفطرة ويغشيها فلا ترى دلائل الهداية ؛ فتستكبر على الهدى وتصر على الباطل ، ولا تتفتح للنور .
يقول تعالى مسليا لنبيه ، وآمرا له بالتأسي بمن قبله من الرسل ، ومخبره بأنه ما بعث نبيا في قرية إلا كذبه{[24360]} مترفوها ، واتبعه ضعفاؤهم ، كما قال قوم نوح : { أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأرْذَلُونَ } [ الشعراء : 111 ] ، { وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ } [ هود : 27 ] ، وقال الكبراء من قوم صالح : { لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ . قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } [ الأعراف : 75 ، 76 ]
وقال تعالى : { وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ } [ الأنعام : 53 ] ؟ وقال : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا } [ الأنعام : 122 ] وقال : { وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا [ فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ{[24361]} ] } [ الإسراء : 16 ] . وقال هاهنا : { وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ } أي : نبي أو رسول { إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا } ، وهم أولو النعمة والحشمة والثروة والرياسة .
قال قتادة : هم جَبَابرتهم وقادتهم ورؤوسهم في الشر . { إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونََ } أي : لا نؤمن به ولا نتبعه .
قال{[24362]} ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا هارون بن إسحاق ، حدثنا محمد بن عبد الوهاب عن سفيان عن عاصم ، عن أبي رَزِين قال : كان رجلان شريكان{[24363]} خرج أحدهما إلى الساحل وبقي الآخر ، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى صاحبه يسأله : ما فعل ؟ فكتب إليه أنه لم يتبعه أحد من قريش ، إنما{[24364]} اتبعه أراذل{[24365]} الناس ومساكينهم . قال : فترك تجارته ثم أتى صاحبه فقال : دلني عليه - قال : وكان يقرأ الكتب ، أو بعض الكتب - قال : فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إلام تدعو ؟ قال : " إلى كذا وكذا " . قال : أشهد أنك رسول الله . قال : " وما علمك بذلك ؟ " قال : إنه لم يبعث نبي إلا اتبعه رُذَالة الناس ومساكينهم . قال : فنزلت هذه الآية{[24366]} : { وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } ] الآيات ]{[24367]} ، قال : فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم " إن الله قد أنزل تصديق ما قلت " . {[24368]}
وهكذا قال هرقل لأبي سفيان حين سأله عن تلك المسائل ، قال فيها : وسألتك : أضعفاء الناس اتبعه أم أشرافهم فزعمت : بل ضعفاؤهم ، وهم أتباع الرسل .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مّن نّذِيرٍ إِلاّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } .
يقول تعالى ذكره : وما بعثنا إلى أهل قرية نذيرا يُنذرهم بأسَنا أن ينزل بهم على معصيتهم إيانا ، إلاّ قال كُبراؤها ورؤساؤها في الضلالة كما قال قوم فرعون من المشركين له : إنا بما أُرسلتم به من النّذارة ، وبُعثتم به من توحيد الله ، والبراءة من الآلهة والأنداد كافرون . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَما أرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إلاّ قالَ مُتْرَفُوها إنّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ قال : هم رؤوسهم وقادتهم في الشرّ .
{ وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها } تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما مني به من قومه ، وتخصيص المتنعمين بالتكذيب لأن الداعي المعظم إليه التكبر والمفاخرة بزخارف الدنيا والانهماك في الشهوات والاستهانة بمن لم يحظ منها ، ولذلك ضموا التهكم والمفاخرة إلى التكذيب فقالوا : { إنا بما أرسلتم به كافرون } على مقابلة الجمع بالجمع .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وما أرسلنا في قرية من نذير} من رسول {إلا قال مترفوها} أغنياؤها وجبابرتها للرسل {إنا بما أرسلتم به} بالتوحيد {كافرون}.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: وما بعثنا إلى أهل قرية نذيرا يُنذرهم بأسَنا أن ينزل بهم على معصيتهم إيانا، إلاّ قال كُبراؤها ورؤساؤها في الضلالة كما قال قوم فرعون من المشركين له: إنا بما أُرسلتم به من النّذارة، وبُعثتم به من توحيد الله، والبراءة من الآلهة والأنداد كافرون...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
قال بعضهم: المُترَف: المتكبّر. وقال آخرون: المُترف هو الذي يجمع أصناف المال مع العناد والتكبّر.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
أي قابلوا رُسُلَنا بالتكذيب، وصَبَر رُسُلُنا... وماذا على هؤلاء الكفار لو آمنوا بهم؟ فهم لنجاتهم أُرسلوا، ولصلاحِهم دَعَوا وبلغَّوا، ولو وافقوهُم لسعدوا... ولكنّ أقساماً سبقت، وأحكاماً حقت، والله غالبٌ على أمره.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
هذه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما مني به من قومه من التكذيب والكفر بما جاء به، والمنافسة بكثرة الأموال والأولاد، والمفاخرة وزخارفها، والتكبر بذلك على المؤمنين، والاستهانة بهم من أجله، وقولهم: {أَىُّ الفريقين خَيْرٌ مَّقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً} [مريم: 73] وأنه لم يرسل قط إلى أهل قرية من نذير إلاّ قالوا له مثل ما قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة وكادوه بنحو ما كادوه به، وقاسوا أمر الآخرة الموهومة أو المفروضة عندهم على أمر الدنيا، واعتقدوا أنهم لو لم يكرموا على الله لما رزقهم، ولولا أنّ المؤمنين هانوا عليه لما حرمهم؛ فعلى قياسهم ذلك قالوا: {وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ}...
إنما نسب القول إلى المترفين مع أن غيرهم أيضا قالوا: {إنا بما أرسلتم به كافرون} لأن الأغنياء المترفين هم الأصل في ذلك القول، ألا ترى أن الله قال عن الذين استضعفوا إنهم قالوا للمستكبرين لولا أنتم لكانوا مؤمنين.
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي 685 هـ :
تخصيص المتنعمين بالتكذيب لأن الداعي المعظم إليه التكبر والمفاخرة بزخارف الدنيا، والانهماك في الشهوات والاستهانة بمن لم يحظ منها، ولذلك ضموا التهكم والمفاخرة إلى التكذيب فقالوا: {إنا بما أرسلتم به كافرون} على مقابلة الجمع بالجمع...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{وما أرسلنا} أي بعظمتنا ولما كان المقصود التعميم، لأنه لم يتقدم قول قريش ليخص التسلية بمن قبلهم، أسقط القبلية بخلاف ما في سورة الزخرف فقال: {في قرية} وأكد النفي بقوله: {من نذير} أي ينذرهم وخامة ما أمامهم من عواقب أفعالهم، ودل بإفراده عن البشارة أن غالب الأمم الماضية من أهل النذارة لتظهر مزية هذه الأمة، ولعله عبر به إشارة إلى الناسخين للشرائع التي قبلهم دون المجددين من أنبياء بني إسرائيل فإن بعضهم لم يكذب {إلا قال مترفوها} أي العظماء الذين لا شغل لهم إلا التنعم بالفاني حتى أكسبهم البغي والطغيان.
{إنا بما أرسلتم به} أي أيها المنذرون {كافرون} أي وإذا قال المنعمون ذلك تبعهم المستضعفون فإذا وقفوا عندنا تقاولوا بما تقدم ثم لم ينفعهم ذلك...
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :
الجملة في موضع الحال {إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ} بزعمكم من التوحيد وغيره، والجار الثاني متعلق بما عنده والأول متعلق بقوله تعالى: {كافرون} وهو خبر إن، وظاهر الآية أن مترفي كل قرية قالوا لرسولهم ذلك وعليه فالجمع في أرسلتم للتهكم، وقيل: لتغليب المخاطب على جنس الرسل أو على اتباعه المؤمنين به، وقال بعض الأجلة: الكلام من باب مقابلة الجمع بالجمع فقيل الجمع الأول الرسل المدلول عليه بقوله تعالى: {أُرْسِلْتُمْ} والثاني {كافرون} فقد كفر كل برسوله وخاطبه بمثله فلا تغليب في الخطاب في أرسلتم.
وقيل: الجمع الأول {نَّذِيرٍ} لأنه يفيد العموم في الحكاية لا المحكي لوقوعه في سياق النفي، وليس كل قوم منكراً لجميع الرسل فحمل على المقابلة.
تخصيص المترفين بالتكذيب لأنهم في الأغلب أول المكذبين للرسل عليهم السلام لما شغلوا به من زخرفة الدنيا وما غلب على قلوبهم منها فهم منهمكون في الشهوات والاستهانة بمن لم يحظ منها بخلاف الفقراء فإن قلوبهم لخلوها من ذلك أقبل للخير ولذلك تراهم أكثر إتباع الأنبياء عليهم السلام كما جاء في حديث هرقل...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ذلك الذي قاله المترفون من كبراء قريش قاله قبلهم كل مترف أمام كل رسالة: (وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها: إنا بما أرسلتم به كافرون).. فهي قصة معادة، وموقف مكرور، على مدار الدهور؛ وهو الترف يغلظ القلوب، ويفقدها الحساسية ويفسد الفطرة ويغشيها فلا ترى دلائل الهداية؛ فتستكبر على الهدى وتصر على الباطل، ولا تتفتح للنور...
التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :
وإذا كانت الآية تذكر مواقف المترفين من رسل الله، فليس ضروريا أن يكون كل ابن بيت ونعمة مندرجا في صفهم بطبيعة الحال، والآية بعد غير منقطعة عن السياق السابق كما أنها والآيات التي بعدها سياق واحد، بحيث يصح القول إنها جاءت من جهة معقبة على الآيات السابقة، ومن جهة منددة منذرة لطبقة المترفين المنحرفين الذين يقودهم الترف والانحراف إلى الوقوف من رسل الله والدعوة إليه موقف الجحود.
التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :
فسعة الرزق عند الغنى لا تدل على مقامه الكريم عند الله، وضيق ذات اليد عند الفقير لا يفيد هوانه على الله، ووجود الترف، لا يدل على الشرف، {ولكن أكثر الناس لا يعلمون}...
نلحظ في هذه الآية أنها ذكرتْ النذارة، ولم تذكر البشارة، لماذا؟ قالوا: لأن الحديث عن قرية استشرى فيها الفساد بحيث لم يَعُدْ لها إلا النذارة، فهؤلاء قوم كذَّبوا الرسل، ووقفوا من الدعوة موقفَ العداء والمكابرة. أما البشارة فتكون في عموم الدعوة، والحديث هنا عن دعوة خاصة بهؤلاء المكذبين...
وقوله {إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ} [سبأ: 34] جمع مُتْرف وترف يترف أي: تنعَّم. أما أترف فتعني أن النعمة أطغَتْه وفتنته، فالحق سبحانه لم يمنع عبده أنْ يتمتع بنعمه، المهم ألاَّ تُطغيه النعمة.
وقد يكون الترف والتنعُّم استدراجاً من الله للعبد، وإملاءً له، ومَدًّا له في النعمة حتى يَطْغى بها...
قوله تعالى: {وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} لماذا أنتم كافرون بما جاء به الرسل؟
الحق -تبارك وتعالى- يريد من العباد ألاَّ يستعلي قوي على ضعيف، وألاَّ يستعلي غني على فقير، وألاَّ يستعلي عالم على جاهل، إنما يريد أن يعمَّ الخير، فمَنْ كانت عنده خَصْلة من خصال الخير عَدَّاها إلى غيره.
أما هؤلاء فقد اختاروا الكفر، واطمأنوا إليه؛ لأن النعمة أطغتهم وأترفتهم، فمالوا إلى البذخ وإلى المظالم حتى عَشِقوا هذا كله، فلما جاء الدين ليُعدِّل من سلوكهم صادموه، وحاولوا طمسه والقضاء على دعوته؛ لأنهم ألفوا السيادة، وألِفُوا الطغيان، ولا يريدون أنْ تُسلب منهم هذه السيادة. وإلا لو أن العالم كان مستقيماً متوازناً ما كانت هناك حاجة للرسل، إذن: ما جاء رسول إلا بعد أنْ عَمَّ الفساد وطَمّ.
وسبق أنْ قُلْنا: إن الحق سبحانه خلق في النفس الإنسانية مناعة إيمانية نتيجة الفطرة الأولية، لكن الشهوات وتقاليد الظالمين تطمس هذه الفطرة، فتحتاج إلى مُذكِّر يعيدها إلى الطبيعة والفطرة التي خلقها الله، لذلك قال سبحانه:
{إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٌ} [الغاشية: 21] يعني: ليس بادئاً...
وقولهم: {إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} بم أُرسِل الرسلُ؟ أُرسِلوا أولاً بقضية التوحيد، وأنه لا إله إلا الله، أرسلوا بالبلاغ عن الله، أرسلوا بمعجزات، أُرسلوا بأحكام ومناهج تحكم حركة الحياة. فهؤلاء كفروا بهذا كله لأنهم يريدون أنْ يعيشوا في ترفهم وظلمهم، وأنْ يستبدوا كما يشاؤون.
لكن قولهم {بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ} دلَّ على غبائهم؛ لأنهم لم يقولوا مثلاً بما جئتم به، أو بما ادعيتموه، إنما بما أُرسِلتم به، فهم يعترفون بأنهم مُرسَلُون، فهذه كلمة الحق ساقها الله على ألسنتهم، كما ساقه على ألسنتهم في قولهم: {لاَ تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ} [المنافقون: 7] وقولهم لما فتر الوحي عن رسول الله: إن رب محمد قلاه.
إذن: هم يعترفون لرسول الله بالرسالة، والمرسل لا يُرسَل من مثله، إنما من جهة أعلى، فالرسالة ليست من عند محمد؛
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
الأموال والأولاد ليست دليلا على القرب من الله.نعم، فإنّ هذه الفئة المترفة الغافلة الطاغية كانت الصف المتقدّم من مخالفي الأنبياء عادةً، لأنّهم يرون أنّ تعليمات الأنبياء تتضارب مع أمانيهم وأهوائهم من جهة، ولأنّ الأنبياء يدافعون عن حقوق المحرومين التي اغتصبها هؤلاء المترفين ونالوا هذا النعيم، من جهة ثانية، ولأنّهم دائماً يستخدمون عامل التسلّط لحماية مصالحهم وأموالهم من جهة ثالثة، والأنبياء يقفون قبالهم في كلّ هذه الحالات، لذا فإنّهم يهبّون فوراً لمخالفة الأنبياء. هذه المجموعة لم تقف فقط في وجه الأنبياء فحسب، بل قبال أيّة خطوة إصلاحية من قبل أي عالم أو مصلح أو مفكّر مجاهد، فقد كانوا السبّاقين للمخالفة، ولا يتورّعون في إرتكاب أيّة جريمة وتآمر ضدّ هؤلاء المصلحين...