التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا فِي قَرۡيَةٖ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتۡرَفُوهَآ إِنَّا بِمَآ أُرۡسِلۡتُم بِهِۦ كَٰفِرُونَ} (34)

قوله تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ ( 34 ) وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ( 35 ) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ( 36 ) وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلاَّ مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آَمِنُونَ ( 37 ) وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آَيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ } .

ذلك تأنيس من الله وتسلية لرسوله صلى الله عليه وسلم مما مُني به من قومه من شدة الإيذاء والصدّ والتكذيب ، فقد كان الإيذاء للنبيين وتكذيبهم ديدنا للمترفين الفاسقين قد دأبوا عليه في كل زمان ، وقد خصّ المترفين بالتكذيب والجحود والإيذاء ؛ لأنهم أشد تلبُّسا بالشهوات وأكثر جنوحا لمتاع الحياة الدنيا بما أُتوه من مختلف الأسباب لذلك كالمال والجاه والرياسة وغير ذلك من ظواهر الاستعلاء والتمكين .

أما المترفون : فمن الترف ، وهو الطغيان وغمْطُ النعمة ، والمراد بالمترفين : قادة الشر والطغيان من الرؤساء والكبراء والأغنياء . وهؤلاء إذا جاءهم من عند الله نذير من النُّذر يحذرونهم عقاب ربهم ، بادروهم بالجحود والتكذيب وقالوا : { إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } أي إنا بما جئتمونا به من رسالة ونذارة وما بعثتم به من توحيد الله وإذعان لجلاله بالطاعة ، ومن التبرؤ من عبادة الأنداد والشركاء { كَافِرُونَ } أي جاحدون مكذبون .