تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا فِي قَرۡيَةٖ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتۡرَفُوهَآ إِنَّا بِمَآ أُرۡسِلۡتُم بِهِۦ كَٰفِرُونَ} (34)

{ وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون( 34 ) وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين( 35 ) قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ولكن أكثر الناس لا يعلمون( 36 ) وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من ءامن وعمل صالحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات ءامنون( 37 ) والذين يسعون في ءاياتنا معاجزين أولئك في العذاب محضرون( 38 ) قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين( 39 ) }

المفردات :

مترفوها : رؤساؤها المنعمون فيها من أهل المال والجاه .

كافرون : لا نؤمن برسول ولا نتبعه .

التفسير :

{ وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون } .

المترفون هم أصحاب المال والغنى ومع الترف وركوب الشهوات والملذات هؤلاء يضيقون برسالات السماء حيث عن الرسالات تفرض فرائض وأوامر وتبين الحلال والحرام وهؤلاء يحبون الانطلاق في شهواتهم لذلك رأينا الفقراء هم أتباع الرسل لأن الرسالات تشتمل على بيان حقوق الإنسان من حرية ومساواة وعدالة اجتماعية ولأن قلوب الفقراء خالية من الانهماك في الملذات والشهوات وهم عادة أتباع الرسل وفي حديث الصحيحين الطويل أن هرقل ملك الروم سأل أبا سفيان عن محمد صلى الله عليه وسلم فقال هرقل : هل يتبعه ضعفاء الناس أم أشرافهم ؟ قال أبو سفيان : بل ضعفاؤهم قال هرقل : هم أتباع الرسل وسيملك محمد موضع قدمي هاتين . xii

وفي حديث رواه ابن أبي حاتم أن رجلا كان يقرأ في كتب السابقين سأل شريكا له عن محمد ، فكتب إليه شريكه أنه لم يتبعه أحد من قريش إنما يتبعه أراذل الناس ومساكينهم ، فترك الرجل تجارته بالساحل وأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال " إلام تدعو ؟ قال " أدعو إلى كذا وكذا " قال أشهد أنك رسول الله قال النبي صلى الله عليه وسلم " وما علمك بذلك " ظ قال : إنه لم يبعث نبي إلا اتبعه أراذل الناس ومساكينهم قال فنزلت هذه الآية : { وما أرسلناك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون } قال : فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم " أن الله عز وجل قد أنزل تصديق ما قلت " .

وقد تكلم القرآن عن الترف والمترفين في أكثر من آية فقال عن قوم صالح : { قال الذين استكبروا إنا بالذي ءامنتم به كافرون } . ( الأعراف : 76 ) .

وقال جل وعلا : { وكذلك جعلنا في كل قرية أكبر مجرميها ليمكروا فيها . . . } ( الأنعام : 123 ) .

وقال تعالى : { وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا } . ( الإسراء : 16 ) .

وقد حكى القرآن الكريم عن قوم نوح قولهم له : { قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون } . ( الشعراء : 111 ) .