قال : هم أولاء على أثري ، وعجلت إليك رب لترضى . قال : فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري ) .
وهكذا فوجئ موسى . . إنه عجلان إلى ربه ، بعدما تهيأ واستعد أربعين يوما ، ليلقاه ويتلقى منه التوجيه الذي يقيم عليه حياة بني إسرائيل الجديدة . وقد استخلصهم من الذل والاستعباد ، ليصوغ منهم أمة ذات رسالة ، وذات تكاليف .
ولكن الاستعباد الطويل والذل الطويل في ظل الفرعونية الوثنية كان قد أفسد طبيعة القوم وأضعف استعدادهم لاحتمال التكاليف والصبر عليها ، والوفاء بالعهد والثبات عليه ؛ وترك في كيانهم النفسي خلخلة واستعدادا للانقياد والتقليد المريح . . فما يكاد موسى يتركهم في رعاية هارون ويبعد عنهم قليلا حتى تتخلخل عقيدتهم كلها وتنهار أمام أول اختبار . ولم يكن بد من اختبارات متوالية وابتلاءات متكررة لإعادة بنائهم النفسي .
لما سار موسى عليه السلام ببني إسرائيل بعد هلاك فرعون ، وافوا{[19459]} { عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ * إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [ الأعراف : 138 ، 139 ] وواعده ربه ثلاثين ليلة ثم أتبعها{[19460]} له عشرًا ، فتمت [ له ]{[19461]} أربعين ليلة ، أي : يصومها ليلا ونهارًا . وقد تقدم في حديث " الفتون " بيان ذلك . فسارع موسى عليه السلام مبادرًا إلى الطور ، واستخلف على بني إسرائيل أخاه هارون ؛ ولهذا قال تعالى : { وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى قَالَ هُمْ أُولاءِ عَلَى أَثَرِي } أي : قادمون ينزلون قريبًا من الطور ، { وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى } أي : لتزداد عني رضا .
" قال هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرَي " يقول : قومي على أثري يَلْحَقُون بي . وَعَجِلْتُ إلَيْكَ رَبّ لِتَرْضَى يقول : وعجلت أنا فسبقتهم ربّ ، كيما ترضى عني .
وإنما قال الله تعالى ذكره لموسى : ما أعجلك عن قومك ؟ لأنه جلّ ثناؤه ، فيما بلغنا ، حين نجاه وبني إسرائيل من فرعون وقومه ، وقطع بهم البحر ، وعدَهم جانب الطور الأيمن ، فتعجّل موسى إلى ربه ، وأقام هارون من بني إسرائيل ، يسير بهم على أثر موسى . كما :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : وعد الله موسى حين أهلك فرعون وقومه ونجاه وقومه ، ثلاثين ليلة ، ثم أتمها بعشر ، فتمّ ميقات ربه أربعين ليلة ، تلقاه فيها بما شاء ، فاستخلف موسى هارون من بني إسرائيل ، ومعه السامريّ ، يسير بهم على أثر موسى ليلحقهم به ، فلما كلم الله موسى ، قال له " ما أعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا موسى قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أثَرِي وَعَجِلْتُ إلَيْكَ رَبّ لِتَرْضَى " .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : " وَعَجِلْتُ إلَيْكَ رَبّ لِتَرْضَى " قال : لأرضيك .
وقرأت فرقة «أولايَ » بياء مفتوحة{[8146]} . وقوله { على أثري } يحتمل أن يكون في موضع رفع خبراً بعد خبر ، ويحتمل أن يكون في موضع نصب في موضع الحال ، وقرأت فرقة «على أَثَري » بفتح الهمزة والثاء ، وقرأت فرقة «إثْري » بكسر الهمزة وسكون الثاء ، وأعمله موسى عليه السلام أنه إنما استعجل طلب الرضى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.