وفي ضوء هذا البيان المجمل نملك المضي مع نصوص هذا الدرس تفصيلاً :
( الأعراب أشد كفراً ونفاقاً وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل اللّه على رسوله ، واللّه عليم حكيم . ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرماً ويتربص بكم الدوائر ، عليهم دائرة السوء ، واللّه سميع عليم . ومن الأعراب من يؤمن باللّه واليوم الآخر ، ويتخذ ما ينفق قربات عند اللّه وصلوات الرسول . ألا إنها قربة لهم ، سيدخلهم اللّه في رحمته ، إن اللّه غفور رحيم ) . .
بدأ بتصنيف الأعراب - وهم البدو - وقد كانت قبائل منهم حول المدينة ، وكانت لهم أدوار في الهجوم على دار الإسلام في المدينة - قبل إسلامهم - فلما أسلموا كانوا بوجه عام داخلين في الفئتين اللتين ورد وصفهما في هذه الآيات .
وقد بدأ الحديث عنهما بتقرير قاعدة كلية عن طبيعة الأعراب :
( الأعراب أشد كفراً ونفاقاً وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل اللّه على رسوله ، واللّه عليم حكيم ) .
والتعبير بهذا العموم يعطي وصفاً ثابتاً متعلقاً بالبدو وبالبداوة . فالشأن في البدو أن يكونوا أشد كفراً ونفاقاً ، وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل اللّه على رسوله .
والجدارة بعدم العلم بما أنزل اللّه على رسوله ناشئة من ظروف حياتهم ، وما تنشئه في طباعهم من جفوة ، ومن بعد عن المعرفة وعن الوقوف عند الحدود ، ومن مادية حسية تجعل القيم المادية هي السائدة . وإن كان الإيمان يعدل من هذه الطباع ، ويرفع من تلك القيم ، ويصلهم بالأفق الوضيء المرتفع على الحسية .
وقد وردت روايات كثيرة عن جفوة الأعراب . . ومما أورده ابن كثير في التفسير :
" قال الأعمش عن إبراهيم قال : جلس أعرابي إلى زيد بن صوحان ، وهو يحدث أصحابه ، وكانت يده قد أصيبت يوم " نهاوند " ، فقال الأعرابي : واللّه إن حديثك ليعجبني ، وإن يدك لتريبني ! فقال زيد : وما يريبك من يدي ? إنها الشمال ! فقال الأعرابي : واللّه ما أدري اليمين يقطعون أم الشمال ! فقال زيد ابن صوحان : صدق اللّه ورسوله : ( الأعراب أشد كفراً ونفاقاً وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل اللّه على رسوله ) " .
" وقال الإمام أحمد : حدثنا عبدالرحمن بن مهدي ، حدثنا سفيان ، عن أبي موسى ، عن وهب بن منبه ، عن ابن عباس ، عن رسول اللّه - [ ص ] - قال : " من سكن البادية جفا ، ومن اتبع الصيد غفل ، ومن أتى السلطان افتتن " . . "
ولما كانت الغلظة والجفاء في أهل البوادي لم يبعث اللّه منهم رسولاً ، وإنما كانت البعثة من أهل القرى كما قال تعالى : ( وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى ) .
" ولما أهدى ذلك الأعرابي تلك الهدية لرسول اللّه - [ ص ] - فرد عليه أضعافها حتى رضي - ، قال : " لقد هممت ألا أقبل هدية إلا من قرشي أو ثقفي أو أنصاري أو دوسي " لأن هؤلاء كانوا يسكنون المدن : مكة والطائف والمدينة واليمن ، فهم ألطف أخلاقاً من الأعراب لما في طباع الأعراب من الجفاء .
" قال حديث مسلم : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا : حدثنا أبو أسامة وابن نمير ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : قدم ناس من الأعراب على رسول اللّه - [ ص ] - فقالوا :
أتقبلون صبيانكم ? قالوا : نعم ! قالوا : لكنا واللّه ما نقبل ! فقال رسول اللّه - [ ص ] - " وما أملك إن كان اللّه نزع منكم الرحمة ? " " . .
وكثير من الروايات يكشف عن طابع الجفوة والفظاظة في نفوس الأعراب . حتى بعد الإسلام . فلا جرم يكون الشأن فيهم أن يكونوا أشد كفراً ونفاقاً وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل اللّه على رسوله ، لطول ما طبعتهم البداوة بالجفوة والغلظة عندما يقهرون غيرهم ؛ أو بالنفاق والالتواء عندما يقهرهم غيرهم ؛ وبالاعتداء وعدم الوقوف عند الحدود بسبب مقتضيات حياتهم في البادية
عليم بأحوال عباده وصفاتهم وطباعهم . حكيم في توزيع المواهب والخصائص والاستعدادات ، وتنويع الأجناس والشعوب والبيئات .
أخبر تعالى أن في الأعراب كفارا ومنافقين ومؤمنين ، وأن كفرهم ونفاقهم أعظم من غيرهم وأشد ، وأجدر ، أي : أحرى ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله ، كما قال الأعمش عن إبراهيم قال : جلس أعرابي إلى زيد بن صَوْحان وهو يحدث أصحابه ، وكانت يده قد أصيبت يوم نهاوَند ، فقال الأعرابي : والله إن حديثك ليعجبني ، وإن يدك لتريبني فقال زيد : ما يُريبك من يدي ؟ إنها الشمال . فقال الأعرابي : والله ما أدري ، اليمين يقطعون أو الشمالَ ؟ فقال زيد بن صوحان{[13792]} صدق الله : { الأعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ }
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن بن مَهْدِي ، حدثنا سفيان ، عن أبي موسى ، عن وهب بن مُنَبِّه ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من سكن البادية جفا ، ومن اتبع الصيد غَفَل ، ومن أتى السلطان افتتن " .
ورواه أبو داود ، والترمذي ، والنسائي من طرق ، عن سفيان الثوري ، به{[13793]} وقال الترمذي : حسن غريب ، لا نعرفه إلا من حديث الثوري .
ولما كانت الغلظة والجفاء في أهل البوادي لم يبعث الله منهم رسولا وإنما كانت البعثة من أهل القرى ، كما قال تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى } [ يوسف : 109 ] ولما أهدى ذلك الأعرابي تلك الهدية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فردَّ عليه أضعافها حتى رضي ، قال : " لقد هممت ألا أقبل هدية إلا من قُرشي ، أو ثَقَفي أو أنصاري ، أو دَوْسِيّ " {[13794]} ؛ لأن هؤلاء كانوا يسكنون المدن : مكة ، والطائف ، والمدينة ، واليمن ، فهم ألطف أخلاقًا من الأعراب : لما في طباع الأعراب من الجفاء .
حديث [ الأعرابي ]{[13795]} في تقبيل الولد : قال مسلم : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كُرَيْب قالا حدثنا أبو أسامة وابن نُمَيْر ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : قدم ناس من الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : أتقبِّلون صبيانكم ؟ قالوا : نعم . قالوا : ولكنا والله ما نقبِّل . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وَأمْلكُ أن كان الله نزع منكم الرحمة ؟ " . وقال ابن نمير : " من قلبك الرحمة " {[13796]} وقوله : { وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } أي : عليم بمن يستحق أن يعلمه الإيمان والعلم ، { حَكِيمٌ } فيما قسم بين عباده من العلم والجهل والإيمان والكفر والنفاق ، لا يسأل عما يفعل ، لعلمه وحكمته .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.