{ هل جزاء الإِحسان إلا الإِحسان } : أي ما جزاء الإِحسان بالطاعة إِلا الإِحسان بالنعيم .
وقوله عظم فضله وجل عطاؤه وهو الرحمن { هل جزاء الإِحسان } أي في الإِيمان والطاعات من العبادات { إلا الإِحسان } إليه بمثل هذا النعيم العظيم الذي ذكر في هذه الآيات .
- الإِشادة بالإِحسان وبيان جزائه والإِحسان هو إخلاص العبادة لله والإِتيان بها على الوجه الذي شرع أداؤها عليه ، مع الإِحسان إلى الخلق بكف الأذى عنهم وبذل الفضل لمن احتاجه منهم .
قوله تعالى : { فبأي آلاء ربكما تكذبان هل جزاء الإحسان إلا الإحسان } أي : ما جزاء من أحسن في الدنيا إلا أن يحسن إليه في الآخرة . وقال ابن عباس : هل جزاء من قال : لا إله إلا الله وعمل بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم إلا الجنة ؟ .
أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرني ابن فنجويه ، أنبأنا ابن أبي شيبة ، أنبأنا إسحاق بن إبراهيم بن بهرام ، أنبأنا الحجاج بن يوسف المكتب ، أنا بشر بن الحسين ، عن الزبير بن عدي ، عن أنس بن مالك قال : " قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : { هل جزاء الإحسان إلا الإحسان } ثم قال : هل تدرون ما قال ربكم ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : يقول : هل جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلا الجنة " .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم قال:"{هل جزاء الإحسان} في الدنيا {إلا الإحسان} في الآخرة...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"هَلْ جَزَاءُ الإحْسانِ إلاّ الإحْسانُ" يقول تعالى ذكره: هل ثواب خوف مقام الله عزّ وجلّ لمن خافه فأحسن في الدنيا عمله، وأطاع ربه، إلا أن يحسن إليه في الاَخرة ربّهُ، بأن يجازيه على إحسانه ذلك في الدنيا ما وصف في هذه الآيات من قوله: "ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ" إلى قوله: "كأنّهُنّ الياقُوتُ وَالمَرْجانُ".
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
هل جزاء إحسان الله تعالى بما أنعم عليهم في الدنيا إلا الإحسان له بالشكر والقبول؟ أي إتيان الفعل الحسن، أي هو الشكر له وحسن القبول، لأنه ليس يستوجب أحد قبل الله تعالى بإحسانه في الدنيا جزاء في الآخرة إنما الجزاء لهم بحق الفضل والإنعام لا بحق استحقاق.
تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :
هل جزاء من قال لا إله إلا الله إلا الجنة. وقيل: الآية على الجملة، ومعناها: هل جزاء من أحسن إلا أن يحسن إليه.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{هَلْ جَزَآءُ الإحسان} في العمل {إِلاَّ الإحسان} في الثواب...
.كل من أحسن أُحسن إليه، وكل من أَساء أسيء إليه.
أحكام القرآن لابن العربي 543 هـ :
{هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إلَّا الْإِحْسَانُ}. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «أَنَّ جِبْرِيلَ سَأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَن الْإِحْسَانِ، فَقَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّك تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاك». فَهَذَا إحْسَانُ الْعَبْدِ. وَأَمَّا إحْسَانُ اللَّهِ فَهُوَ دُخُولُ الْحُسْنَى وَهِيَ الْجَنَّةُ، وَلِلْحُسْنَى دَرَجَاتٌ بَيَّنَّاهَا فِي كُتُبِ الْأُصُولِ؛ وَهَذَا من أَجَلِّهَا قَدْرًا، وَأَكْرَمِهَا أَمْرًا، وَأَحْسَنِهَا ثَوَابًا، فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} فَهَذَا تَفْسِيرُهُ.
{هل جزاء الإحسان إلا الإحسان، فبأي آلاء ربكما تكذبان} وفيه وجوه كثيرة حتى قيل: إن في القرآن ثلاث آيات في كل آية منها مائة قول؛
الأولى: قوله تعالى: {فاذكروني أذكركم}، (الثانية) قوله تعالى: {إن عدتم عدنا}، (الثالثة) قوله تعالى: {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان} ولنذكر الأقرب فإنه عام فجزاء كل من أحسن إلى غيره أن يحسن هو إليه أيضا... {هل جزاء الإحسان} أي هل جزاء من أتى بالفعل الحسن إلا أن يؤتى في مقابلته بفعل حسن، لكن الفعل الحسن من العبد ليس كل ما يستحسنه هو، بل الحسن هو ما استحسنه الله منه...
هذه الآية تدل على أن كل ما يفرضه الإنسان من أنواع الإحسان من الله تعالى فهو دون الإحسان الذي وعد الله تعالى به لأن الكريم إذا قال للفقير: افعل كذا ولك كذا دينارا، وقال لغيره افعل كذا على أن أحسن إليك يكون رجاء من لم يعين له أجرا أكثر من رجاء من عين له، هذا إذا كان الكريم في غاية الكرم ونهاية الغنى، إذا ثبت هذا فالله تعالى قال: جزاء من أحسن إلى أن أحسن إليه بما يغبط به، وأوصل إليه فوق ما يشتهيه فالذي يعطي الله فوق ما يرجوه وذلك على وفق كرمه وإفضاله.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
تذييل للجمل المبدوءة بقوله: {ولمن خاف مقام ربه جنتان} [الرحمن: 46]، أي لأنهم أحسنوا فجازاهم ربهم بالإِحسان. والإِحسان الأول: الفعلُ الحَسن، والإِحسان الثاني: إعطاء الحَسن، وهو الخَير، فالأول من قولهم: أَحسن في كذا، والثاني من قولهم: أحسن إلى فلان. والاستفهام مستعمل في النفي، ولذلك عقب بالاستثناء فأفاد حصر مجازاة الإِحسان في أنها إحسان، وهذا الحصر إخبار عن كونه الجزاء الحقَّ ومقتضى الحكمة والعدل، وإلا فقد يتخلف ذلك لدى الظالمين، قال تعالى: {وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون} [الواقعة: 82] وقال: {فلما آتاهما صالحاً جعلا له شركاء فيما آتاهما} [الأعراف: 190]. وعلم منه أن جزاء الإِساءة السوء قال تعالى: {جزاءً وفاقاً} [النبأ: 26].
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
يقول الراغب في المفردات: الإحسان فوق العدل، وذاك أنّ العدل هو أن يعطي ما عليه ويأخذ ماله، والإحسان أن يعطي أكثر ممّا عليه ويأخذ أقلّ ممّا له فالإحسان زائد على العدل.. (هل جزاء الإحسان إلاّ الإحسان) جرت في الكافر والمؤمن والبرّ والفاجر، من صنع إليه معروف فعليه أن يكافئ به، وليس المكافأة أن تصنع كم صنع حتّى تربي، فإن صنعت كما صنع كان له الفضل في الابتداء». وبناء على هذا فالجزاء الإلهي في يوم القيامة يكون أكثر من عمل الإنسان في هذه الدنيا.
{ هل جزاء الإحسان إلا الإحسان } المعنى : أن جزاء من أحسن بطاعة الله أن يحسن الله إليه بالجنة ، ويحتمل أن يكون الإحسان هنا هو الذي سأل عنه جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : " أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " ، وذلك هو مقام المراقبة والمشاهدة فجعل جزاء ذلك الإحسان بهاتين الجنتين ويقوي هذا أنه جعل هاتين الجنتين الموصوفتين هنا لأهل المقام العلي ، وجعل جنتين دونها لمن كان دون ذلك ، فالجنتان المذكورتان أولا للسابقين ، والجنتان المذكورتان ثانيا بعد ذلك لأصحاب اليمين حسبما ورد في الواقعة ، وانظر كيف جعل أوصاف هاتين الجنتين ، أعلى من أوصاف الجنتين اللتين بعدهما فقال هنا : { عينان تجريان } وقال في الآخرتين .
{ عينان نضاختان } ، والجري أشد من النضخ وقال هنالك .
{ من كل فاكهة زوجان } ، وقال هنا { فاكهة ونخل ورمان } ، وكذلك صفة الحور هنا أبلغ من صفتها هنالك وكذلك صفة البسط ويفسر ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " جنتان من ذهب آنيتهما وكل ما فيهما وجنتان من فضة آنيتهما وكل ما فيهما " .
ولما كان ألذ ما أفاده الإنسان من النعم ما كان تسبب منه ، قال ساراً لهم بذلك مع ما فيه من لذة المدح لا سيما والمادح الملك الأعلى ، معظماً له بسياق الاستفهام المفيد للإثبات بعد النفي المفيد للاختصاص على وجه الإنكار الشديد على من يتوهم غير ذلك : { هل جزاء الإحسان } أي في العمل الكائن{[62019]} من الإنس أو الجن أو غيرهم { إلا الإحسان * } أي في الثواب ، فهذا من المواضع التي أعيدت فيها المعرفة والمعنى مختلف ، روى البغوي{[62020]} بسنده عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " هل تدرون ما قال ربكم ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : يقول : هل جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلا الجنة " وذلك جزاء إحسان العبد في العمل في مقابلة إحسان ربه إليه بالتربية
قوله : { هل جزاء الإحسان إلا الإحسان } هل جزاء الإحسان في العمل إلا الإحسان في الثواب والجزاء . فليس لمن أحسن العمل في الدنيا بأداء الفرائض والطاعات لله إلا أنه يجزى الخير والإحسان من الله في الآخرة .
وذلكم فضل عظيم من الله يفيض به على عباده المؤمنين المتقين ، إذ يسبغ عليهم من جزيل نعمه وآلائه ما هو أهله . فما ينبغي لمثل هاتيك النعم والأيادي أن يجحدها ذو مسكة من عقل . وهو قوله : { فبأي آلاء ربكما تكذبان } {[4431]} .