اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{هَلۡ جَزَآءُ ٱلۡإِحۡسَٰنِ إِلَّا ٱلۡإِحۡسَٰنُ} (60)

قوله تعالى : { هَلْ جَزَاءُ الإحسان إِلاَّ الإحسان } .

قرأ ابن أبي{[54585]} إسحاق : «إلا الحسان » أي : الحور الحسان .

قال القرطبي{[54586]} : هَلْ في الكلام على أربعة أوجه : تكون بمعنى «قد » ، كقوله تعالى : { هَلْ أتى عَلَى الإنسان } [ الإنسان : 1 ] ، { وَهَلْ أَتَاكَ } [ طه : 9 ] ، وبمعنى الاستفهام كقوله : { فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً } [ الأعراف : 44 ] .

وبمعنى الأمر كقوله تعالى : { فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ } [ المائدة : 91 ] .

وبمعنى «ما » في الجَحْد كقوله تعالى : { فَهَلْ عَلَى الرسل إِلاَّ البلاغ المبين } [ النحل : 35 ] ، و{ هَلْ جَزَاءُ الإحسان إِلاَّ الإحسان } .

قال ابن الخطيب{[54587]} : في هذه الآية وجوهٌ كثيرة حتى قيل : إنَّ في القرآن ثلاث آيات في كل واحدة منها مائة قول :

أحدها : قوله تعالى : { فاذكرونيا أَذْكُرْكُمْ } [ البقرة : 152 ] .

ثانيها : { وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا } [ الإسراء : 8 ] .

ثالثها : { هَلْ جَزَاءُ الإحسان إِلاَّ الإحسان } والمشهور منها أقوال :

أحدها : قال عكرمة : أي : هل جزاء من قال : لا إله إلاَّ الله ، وعمل بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم إلا الجنة{[54588]} .

وقيل : هل جزاء من أحسن في الدنيا إلا أن يحسن إليه في الآخرة . قاله ابن زيد .

«وروى أنس - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ { هَلْ جَزَاءُ الإحسان إِلاَّ الإحسان } ثم قال : هل تدرون ماذا قال ربكم ؟ قال : هل جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلا الجنة » .

وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية ، فقال : «يقول الله تعالى : هل جزاء من أنعمت عليه بمعرفتي وتوحيدي إلاّ أنْ أُسكنه جنَّتي وحظيرة قدسي برحمتي »{[54589]} .

وقال الصادق : هل جزاء من أحسنت إليه في الأزل إلا حفظ الإحسان إليه في الأبد .

قال ابن الخطيب : والأقرب أنه عام ، فجزاء كل من أحسن إلى غيره أن يحسن هو أيضاً{[54590]} .


[54585]:ينظر: البحر المحيط 8/196، والدر المصون 6/248.
[54586]:الجامع لأحكام القرآن 17/119.
[54587]:ينظر: التفسير الكبير 29/115.
[54588]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/207) عن عكرمة وعزاه إلى عبد بن حميد.
[54589]:أخرجه البغوي في "تفسيره" (4/276) من طريق الثعلبي. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/207) وزاد نسبته إلى الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول" والديلمي في "مسند الفردوس" وابن النجار في "تاريخه". وله شاهد من حديث ابن عباس ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/207) وعزاه إلى عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه.
[54590]:ينظر الكشاف.