في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{عَلَّمَ ٱلۡقُرۡءَانَ} (2)

ثم يجيء الخبر المترقب ، الذي يخفق له ضمير الوجود . . .

( علم القرآن . خلق الإنسان علمه البيان . الشمس والقمر بحسبان . والنجم والشجر يسجدان . والسماء رفعها ووضع الميزان . ألا تطغوا في الميزان . وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان . والأرض وضعها للأنام . فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام . والحب ذو العصف والريحان . فبأي آلاء ربكما تكذبان ? ) .

هذا هو المقطع الأول في بيان آلاء الرحمن . وهذا هو الخبر الأول بعد ذلك الإعلان . .

( علم القرآن )

هذه النعمة الكبرى التي تتجلى فيها رحمة الرحمن بالإنسان . . القرآن . . الترجمة الصادقة الكاملة لنواميس هذا الوجود . ومنهج السماء للأرض . الذي يصل أهلها بناموس الوجود ؛ ويقيم عقيدتهم وتصوراتهم وموازينهم وقيمهم ونظمهم وأحوالهم على الأساس الثابت الذي يقوم عليه الوجود . فيمنحهم اليسر والطمأنينة والتفاهم والتجاوب مع الناموس .

القرآن الذي يفتح حواسهم ومشاعرهم على هذا الكون الجميل ، كأنما يطالعهم أول مرة ، فيجدد إحساسهم بوجودهم الذاتي ، كما يجدد إحساسهم بالكون من حولهم . ويزيد فيمنح كل شيء من حولهم حياة نابضة تتجاوب وتتعاطف مع البشر ؛ فإذا هم بين أصدقاء ، ورفاق أحباء ، حيثما ساروا أو أقاموا ، طوال رحلتهم على هذا الكوكب !

القرآن الذي يقر في أخلادهم أنهم خلفاء في الأرض ، أنهم كرام على الله ، وأنهم حملة الأمانة التي أشفقت منها السماوات والأرض والجبال . فيشعرهم بقيمتهم التي يستمدونها من تحقيق إنسانيتهم العليا ، بوسيلتها الوحيدة . . الإيمان . . الذي يحيي في أرواحهم نفخة الله . ويحقق نعمته الكبرى على الإنسان .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{عَلَّمَ ٱلۡقُرۡءَانَ} (2)

أنعم الله المتعددة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

{ الرَّحْمَنُ ( 1 ) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ ( 2 ) خَلَقَ الْإِنْسَانَ ( 3 ) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ( 4 ) الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ ( 5 ) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ ( 6 ) وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ( 7 ) أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ ( 8 ) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ ( 9 ) وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ ( 10 ) فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ ( 11 ) وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ ( 12 ) فَبِأَيِّ آَلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ( 13 ) }

1

المفردات :

الرحمن : هو الله تعالى ، المنعم بجلائل النعم الدنيوية والأخروية ، وهو اسم من أسماء الله الحسنى .

علَّم القرآن : قدم ذلك ، لأن أصل النعم الدينية وأجلّها هو إنعامه بالقرآن ، وتنزيله وتعليمه ، فإنه أساس الدين .

التفسير :

1 ، 2- { الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآَنَ } .

اسم الله الرَّحْمَنُ ، معناه أن الرحمة صفة وجودية قديمة ، قائمة بذاته سبحانه وتعالى ، فهو الرحمن ، ورحمته تنتقل إلى عباده فهو رحيم بهم ، وفي سورة الفاتحة : { الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } . ( الفاتحة : 3 ) . فما أكثر رحمته بعباده ، ومن أجلّ هذه النعم إنزال القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم ، بواسطة جبريل الروح الأمين .

قال تعالى : { عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى } . ( النجم : 5 ) .

وقال سبحانه : { نزل به الروح الأمين*على قلبك لتكون من المنذِرين } . ( الشعراء : 193-194 ) .

ومن أجلِّ النعم إنزال هذا الكتاب على الرسول الأمين محمد صلى الله عليه وسلم ، وقد علّمه الله إياه ، وتكفَّل بحفظه في قلبه ، وقراءته على لسانه .

قال تعالى : { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } . ( القيامة : 16-19 ) .

وقد ادَّعت قريش أن النبي يتعلم القرآن من حداد رومي كان يجلس عنده ، فردّ الله عليهم ، وبيَّن أن الله هو الذي علم محمدا هذا الكتاب ، حيث قال سبحانه : { الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآَنَ } .

وقال عز شأنه : { وإنّك لتُلقّى القرآن من لدن حكيم عليم } . ( النمل : 6 ) .

وقال عز شأنه : { وما ينطق عن الهوى*إنْ هو إلا وحي يوحى } . ( النجم : 3-4 ) .

فضل القرآن

جعل الله الثواب العظيم في تلاوة القرآن وحفظه ، وتعليمه وتعلّمه ، وقد اشتمل القرآن الكريم على التشريع والعبادات والمعاملات ، والآداب ، وأخبار السابقين ، وقصص المرسلين ، وأخبار القيامة ، وكل ما ينفع الناس في دينهم ودنياهم ، ولذلك كان أعظم المنن : عَلَّمَ الْقُرْآَنَ .

وللمفسرين هنا رأيان :

الأول : أن الله علم القرآن للبشر وللناس حتى يهتدوا بهدى الله ، ومكّن الإنسان من استيعاب هذا الكتاب ، وتلاوته وحفظه وفهم معانيه .

قال تعالى : { ولقد يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ } . ( القمر : 17 ) .

أي سهَّلنا تلاوة القرآن وقراءته وفهمه لمن رغب في ذلك ، فهل من متعظ راغب في هذا الخير ؟

الثاني : أن الله علم القرآن لمحمد صلى الله عليه وسلم ثم تعلّم منه الصحابة ، وتناقل الناس تعليم القرآن عن الصحابة .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{عَلَّمَ ٱلۡقُرۡءَانَ} (2)

{ الرحمان علم القرآن } بدأ سبحانه في معرض الامتنان على عباده بجلائل النعم – بأعظمها شأنا ، وأرفعها مكانا ؛ وهو تعليم رسوله صلى الله عليه وسلم وأمته القرآن . وهو هدى وشفاء ، وحمة وعصمة ، وأمان ونور للناس في دينهم ودنياهم . وهو أعظم وحي الله إلى أنبيائه ، وأشرفه منزلة عند أوليائه ، وأكثره ذكرا ، وأحسنه في أبواب الدين أثرا . والرحمان : من أسمائه تعالى ؛ وتخصيصه بالذكر هنا للتنبيه إلى أن تعليم القرآن من آثار رحمته الواسعة .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{عَلَّمَ ٱلۡقُرۡءَانَ} (2)

يبين الله تعالى في هذه الآية أنه علّم القرآن وأحكام الشرائع لهداية الخلق ، وإتمام سعادتِهم في معاشِهم ومَعادهم .

 
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{عَلَّمَ ٱلۡقُرۡءَانَ} (2)

شرح الكلمات :

{ الرحمن } : اسم من أسماء الله تعالى .

{ علم القرآن } : أي علم من شاء من عباده القرآن .

/د1

الهداية

من الهداية :

- ورد في الصحيح في فضل تعلم القرآن قوله صلى الله عليه وسلم " خيركم من تعلم القرآن وعلمه " .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{عَلَّمَ ٱلۡقُرۡءَانَ} (2)

فذكر أنه { عَلَّمَ الْقُرْآنَ } أي : علم عباده ألفاظه ومعانيه ، ويسرها على عباده ، وهذا أعظم منة ورحمة رحم بها عباده ، حيث أنزل عليهم قرآنا عربيا بأحسن ألفاظ ، وأحسن تفسير ، مشتمل على كل خير ، زاجر عن كل شر .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{عَلَّمَ ٱلۡقُرۡءَانَ} (2)

قوله تعالى : { علم القرآن } قال الكلبي : علم القرآن : يسره للذكر .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{عَلَّمَ ٱلۡقُرۡءَانَ} (2)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

فأنكروا الرحمن، وقالوا: لا نعرف الرحمن، فأخبر الله تعالى عن نفسه، وذكر صنعه ليعرف فيوحد، فقال: {الرحمن} الذي أنكروه هو الذي {علم القرآن}...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: الرحمن أيها الناس برحمته إياكم علمكم القرآن، فأنعم بذلك عليكم، إذ بصّركم به ما فيه رضا ربكم، وعرّفكم ما فيه سخطه، لتطيعوه باتباعكم ما يرضيه عنكم، وعملكم بما أمركم به، وبتجنبكم ما يُسخطه عليكم، فتستوجبوا بذلك جزيل ثوابه، وتنجوا من أليم عقابه...

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

{عَلَّمَ القُرْءانَ} فيه وجهان:

أحدهما: علمه النبي صلى الله عليه وسلم حتى أداه إلى جميع الناس.

الثاني: سهل تعلمه على جميع الناس...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

وقوله (علم القرآن) فالتعليم تبيين ما به يصير من لم يعلم عالما. والإعلام إيجاد ما به يصير عالما. وفى قوله (الرحمن علم القرآن) تذكير بالنعمة في ما علم من الحكم بالقرآن التي يحتاج إليها الناس في دينهم ليؤدوا ما يجب عليهم وينالوا الفضل بطاعة ربهم ويستوجبوا به الثواب وينالوا الرضوان...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

عدّد الله عز وعلا آلاءه، فأراد أن يقدّم أوّل شيء ما هو أسبق قدما من ضروب آلائه وأصناف نعمائه، وهي نعمة الدين، فقدّم من نعمة الدين ما هو في أعلى مراتبها وأقصى مراقيها: وهو إنعامه بالقرآن وتنزيله وتعليمه، لأنه أعظم وحي الله رتبة، وأعلاه منزلة، وأحسنه في أبواب الدين أثراً، وهو سنام الكتب السماوية ومصداقها والعيار عليها، وأخر ذكر خلق الإنسان عن ذكره، ثم أتبعه إياه: ليعلم أنه إنما خلقه للدين، وليحيط علماً بوحيه وكتبه وما خلق الإنسان من أجله، وكأن الغرض في إنشائه كان مقدّماً عليه وسابقاً له، ثم ذكر ما تميز به من سائر الحيوان من البيان، وهو المنطق الفصيح المعرب عما في الضمير.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

وقوله: {علم القرآن} تعديد نعمة، أي هو من به وعلمه الناس، وخص حفاظه وفهمته بالفضل. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه»...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

قوله تعالى: {علم القرآن} ....

... هو أنه تعالى علم القرآن الإنسان، وهذا أقرب ليكون الإنعام أتم والسورة مفتتحة لبيان الأعم من النعم الشاملة...

لم ترك المفعول الثاني؟

نقول: إشارة إلى أن النعمة في تعميم التعليم لا في تعليم شخص دون شخص، يقال: فلان يطعم الطعام إشارة إلى كرمه، ولا يبين من يطعمه.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{علم القرآن} أي المرئي المشهود بالكتابة والمتلو المسموع الجامع لكل خير، الفارق بين كل لبس، وكان القياس يقتضي أن لا يعلم المسموع أحد لأنه صفة من صفاته، وصفاته في العظم كذاته، وذاته غيب محض، لأن الخلق أحقر من أن يحيطوا به علماً، "وأين الثريا من يد المتناول " فدل تعليمه القرآن على أنه يقدر أن يعلم ما أراد من أراد...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ثم يجيء الخبر المترقب، الذي يخفق له ضمير الوجود.. (علم القرآن) هذه النعمة الكبرى التي تتجلى فيها رحمة الرحمن بالإنسان.. القرآن..

أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن للشنقيطي 1393 هـ :

أي ليس الأمر كما ذكرتم من أنه [الرسول صلى الله عليه وسلم] تعلم القرآن من بشر، بل الرحمان جل وعلا هو الذي علمه إياه...

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

والعجيب أن الحق سبحانه قدم {علم القرآن (2)} على {خلق الإنسان (3)} ليعلمنا أهمية العلم ووضع المناهج والأسس قبل أن نقدم على العمل، فقبل أن يخلق الإنسان وضع له منهج حياته، مثل الذي يصنع صنعة فيضع لها (الكتالوج) الذي يضمن صيانتها، ونحن نرى الآلة تعطب وتفسد إذا لم تستخدم وفق المنهج الذي يصلحها، كذلك الإنسان لا يصيبه العطب إلا إذا خالف منهج ربه.

إذن: {علم القرآن (2) خلق الإنسان (3)} تعني: أن وضع المنهج سابق على خلق الانسان، فجاء الإنسان فوجد المنهج الذي يحدد له: افعل كذا ولا تفعل كذا، هذا حلال وهذا حرام، هذا خير وهذا شر.

ومن معاني الرحمة في القرآن أن يعتني الراحم بالمرحوم عناية تحفظ له مقومات حياته، في سلامة ليس معها عطل ولا عطب، لذلك يقول تعالى: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين.. (82)} [الإسراء] قالوا: شفاء للداء الذي يطرأ عليك نتيجة الغفلة عن المنهج، والرحمة ألا يحدث الداء أصلا...

ثم نقف على معنى آخر للرحمن في قوله تعالى: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن.. (110)} [الإسراء] فجاء بصفة الرحمة بعد صفة الألوهية، لأن الألوهية تكليف والتكليف قد يشق على النفس، فناسب بعدها أن يذكر صفة الرحمة.

كأنه سبحانه يقول لك: لا تقلق، فالذي كلفك هو الرحمن الذي تسع رحمته الجميع، وتعم رحمانيته المؤمن والكافر.

وفي مسألة بدء الخلق، قال تعالى: {الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش الرحمن فسائل به خبيرا (59)} [الفرقان]

فالحق سبحانه بعد أن خلق الخلق استوى على عرشه تعالى، والاستواء يعني السيطرة واستتباب الأمر له سبحانه فيذكر هنا صفة الرحمة ليقول لنا: إنها ليست سيطرة قهر وبطش وجبروت، إنما سيطرة رحمانية.

حتى في موقف الآخرة وما فيها من أهوال يذكر صفة الرحمة {إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمان عبدا} (93) [مريم] سبحانه يتحنن إلى خلقه ويعطيهم الأمل في عطفه ومحبته لهم.

وهنا جاءت الرحمن آية مستقلة {الرحمن (1)} لأنها حين تطلق لا تنصرف إلا إلى الحق سبحانه، وتجمع كل هذه المعاني وسيالها الساري في كل تكليف.

وفي تقديم {علم القرآن (2)} على {خلق الإنسان (3)} تكلموا في الغاية والوسيلة أيهما تسبق الأخرى، والمعلوم عادة أن الغاية تأتي بعد الوسيلة، فلو أنك تريد الذهاب مثلا إلى الاسكندرية فأنت تركب وسيلة مواصلات، وتسلك طريقا يوصلك، وباستخدام الوسيلة تصل إلى غايتك وهي الإسكندرية.

نعم البشر عاجزون عن معرفة الغايات مقدما، لكن رب البشر يعرفها مقدما وأزلا، فيخبر بغايتك قبل أن تخلق، وقبل أن تسلك إليها الوسيلة، وعليه يمكن أن تقدم الغايات على الوسائل، نقول: أنت لم تسلك السبيل إلى الإسكندرية إلا وهي في بالك، فالغاية موجودة قبل الوسيلة.

ويمكن أن نجمع بين الرأيين لو قلنا بأن الغاية أولا تخطيط، لأنك تحدد الغاية قبل الشروع في الوسيلة، والوسيلة أولا واقع وتنفيد، إذن: {علم القرآن (2)} هي الوسيلة التي توصلنا إلى الغاية المرجوة، فالوسيلة بعد الغاية تخطيطا، ولكن الغاية بعد الوسيلة واقعا، أو بتعبير آخر: الغاية قبل الوسيلة دافعا، ولكنها تأتي بعد الوسيلة واقعا.

والقرآن كله مقصده العقائد والأحكام والآداب والقصص، فالعقائد لبها في القلب، وهي أن نؤمن بإله واحد أحد لا نشرك به شيئا، وهذا الإيمان له جناحان هما الخوف والرجاء، فإذا كنت في خير وأمن وسلامة لا تأمن مكر الله.

وإذا كنت في شدة وبؤس لا تقنط من روح الله، ولو أشرب القلب هذه العقيدة الصحيحة لضخها إلى باقي الجوارح، فجاء سلوك الجوارح موافقا لعقيدة القلب.

وحين تتبع أحكام القرآن وأوامره وآدابه تجد رحمانية (الرحمن) سيالا عاما في كل الجوارح، وأول جارحة في التكليف هي اللسان ثم الأذن، لأن اللسان هو المبلِّغ، والأذن هي التي تتلقى، والاستقبال الأول من الله تعالى لا بد أن يتوفر فيه الصدق، والأمانة لأنه مبلِّغ عن الله.

لذلك قلنا في الثناء على سيدنا رسول الله، الصلاة والسلام عليك يا سيدي يا رسول الله، يا أذن الخير التي استقبلت آخر رسالات السماء، ويا لسان الصدق الذي بلغ عن الحق مراده من الخلق.

وقد أعد الله رسوله محمدا لهذه المهمة، وجعل فيه من مواصفات التلقي والبلاغ ما يؤهله لها، وقد شهد له قومه حتى قبل بعثته، ورأينا أن الذين سبقوا للإيمان بمحمد قبل أن يروا له معجزة تؤيده آمنوا به لسابقة علمهم بسلوكه وأخلاقه.

لذلك لما عرفه الله لقومه قال لهم: ّ {محمد رسول الله.. (29) [الفتح] أي: محمد هذا الذي تعرفونه وتشهدون له، ولا تختلفون على صدقه وأمانته، هو رسول الله إليكم فكأن كلمة محمد واسمه ذاته هو حيثية كونه رسول الله.

والمنهج القرآني هو ( [دليل الاستعمال] ) الذي يصلح حركة حياة البشر قد جاء بما يحفظ اللسان. فأمرك بذكر الله وقول الحق، ونهاك عن قول الزور والباطل واللغو، وبما يحفظ الأذن، فأمرك بسماع ما هو خير لك مفيد لحياتك، ونهاك عن سماع الباطل...

وهكذا تجد المنهج القرآني يحفظ عليك كل الجوارح بما بينه لك من الحلال والحرام، والخير الذي أمرك به، والشر الذي نهاك عنه، وحين تتأمل في هذه الأوامر وهذه النواهي أنها مظهر من مظاهر رحمة الله بنا، وتجد سيال الرحمانية فيها كلها.

فحركة الحياة إن قامت على وفق منهج الله ساد الأمن والرخاء، وحفظ لكل ذي حق حقه، وإن قامت على غير هذا المنهج ضاعت الحقوق وعم الفساد وانتهكت الأعراض...

إذن: نقول سيال (الرحمن) في كل الأحكام وفي كل المنهج حتى حينما يأمرنا بالقصاص، وأن القاتل يقتل، حتى في القتل رحمة، لأنه يحمي القاتل، ويحمى المقتول، ويحمي المجتمع بأسره، فلو علم القاتل أنه سيقتل ما تجرأ على القتل.

وكل التكاليف الشرعية تنطلق من هذه الرحمانية منذ أن خلق الله آدم عليه السلام، وأسكنه الجنة، وأجرى له هذه التجربة التمرينية في الانقياد للأمر، فلما أقام آدم على أمر الطاعة استقر في الجنة وتمتع بها، فلما خالف الأمر شقى وبدت عورته وساء حاله.

ومن هذه التجربة عرفنا موقف الشيطان من الإنسان، وعلينا أن نعتبر بالدرس الذي عاشه أبونا آدم، وأن نحذر مخالفة منهج الله.

واقرأ: {قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى من اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى (133) ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى (124) قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا (125) قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى (126)} [طه].

إذن: جاء التكليف كله سيال الرحمانية، حتى في حالة الخروج عن المنهج وحدوث المخالفة لا يتخلى عنك ربك، ولا تفارقك هذه الرحمة، إنما يشرع لك التوبة ويفتح لك باب الرجعة إلى ساحته تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك من يشاء... (48) [النساء] فمشروعية التوبة في حد ذاتها من سيال الرحمانية.

تفسير القرآن الكريم لابن عثيمين 1421 هـ :

وتعليم القرآن يشمل تعليم لفظه، وتعليم معناه، وتعليم كيف العمل به، فهو يشمل ثلاثة أشياء.

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{عَلَّمَ ٱلۡقُرۡءَانَ} (2)

{ علم القرآن } علم نبيه عليه السلام القرآن ليس كما يقول المشركون انما يعلمه بشر وقيل معناه يسر القرآن لأن يذكر فعلمه هذه الأمة حتى حفظوه

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{عَلَّمَ ٱلۡقُرۡءَانَ} (2)

{ الرحمن علم القرآن } هذا تعديد نعمة على من علمه الله القرآن وقيل : معنى علم القرآن جعله علامة وآية لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والأول أظهر وارتفع الرحمن بالابتداء والأفعال التي بعده أخبار متوالية ويدل على ذلك مجيئها بدون حرف عطف .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{عَلَّمَ ٱلۡقُرۡءَانَ} (2)

ولما كان لا شيء من الرحمة أبلغ ولا أدل على القدرة من إيصال بعض صفات الخالق إلى المخلوق نوع إيصال ليتخلقوا به بحسب{[61779]} ما يمكنهم منه فيحصلوا على الحياة الأبدية والسعادة السرمدية قال : { علم القرآن * } أي المرئي المشهود بالكتابة والمتلو المسموع{[61780]} الجامع لكل خير ، الفارق بين كل لبس ، وكان القياس يقتضي{[61781]} أن لا يعلم المسموع أحد لأنه صفة من صفاته ، وصفاته في العظم كذاته ، وذاته غيب محض ، لأن الخلق أحقر من أن يحيطوا به علماً ، " وأين الثريا من يد المتناول " فدل تعليمه القرآن على أنه يقدر أن يعلم ما أراد من أراد

{ وعلم آدم الاسماء كلها }[ البقرة : 31 ] ولا يخفى ما في تقديمه على جميع النعم من المناسبة لأن أجل النعم{[61782]} نعمة الدين التي تتبعها نعمة الدنيا والآخرة ، وهو أعلى مراتب ، فهو سنام الكتب السماوية وعمادها ومصداقها والعبار عليها ، وفائدتها{[61783]} الإيصال إلى مقعد{[61784]} الصدق المتقدم لأنه بين ما يرضي الله ليعمل به وما يسخطه ليجتنب .

وقال الإمام جعفر بن الزبير : من المعلوم أن الكتاب العزيز وإن كانت آية كلها معجزة باهرة وسورة في جليل النظم وبديع التأليف قاطعة بالخصوم قاهرة ، فبعضها أوضح من بعض في تبين إعجازها ، وتظاهر بلاغتها وإيجازها : ألا ترى إلى تسارع الأفهام إلى الحصول على بلاغة آيات وسور من أول وهلة دون كبير تأمل كقوله تعالى { و{[61785]}قيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي }[ هود : 44 ] وقوله

{ فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين }[ الحجر : 94 ] ، الآيات ، لا يتوقف في باهر إعجازها إلا من طبع الله على قلبه أو سد دونه باب الفهم فأنى له بر لوجه وقوعه ، وسورة القمر من هذا النمط ، ألا ترى اختصار القصص فيه مع حصول أطرافها وتوفية أغراضها ، وما جرى مع كل قصة من الزجر والوعظ والتنبيه والإعذار ، ولولا أني لم أقصد التعليق مما بنيته عليه من ترتيب السور لأوضحت ما أشرت إليه مما لم أسبق إليه ، ولعل الله سبحانه ييسر ذلك فيما باليد من التفسير نفع الله به ويسر فيه ، فلما انطوت هذه السورة على ما ذكرنا وبان فيها عظيم{[61786]} الرحمة في تكرر القصص وشفع العظات ، وظهرت حجة الله على الخلق ، وكان ذلك من أعظم ألطافه تعالى لمن يسره لتدبر القرآن{[61787]} ووفقه لفهمه واعتباره ، أردف ذلك سبحانه بالتنبيه على هذه النعمة فقال تبارك وتعالى { الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان } وخص من أسمائه الحسنى هذا الاسم إشعاراً برحمته بالكتاب وعظيم إحسانه به

{ وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها }[ إبراهيم : 34 ] ثم قد تمهد أن سورة القمر إعذار ومن أين للعباد بجميل هذا اللطف وعظيم هذا الحلم حتى يرادوا إلى بسط الدلالات وإيضاح البينات إن تعذر إليهم زيادة في البلاغ ، فأنبأ تعالى أن هذا رحمة فقال { الرحمن علم القرآن } ثم إذا تأملت سورة القمر وجدت خطابها وإعذارها خاصاً ببني آدم بل بمشركي العرب منهم فقط ، فاتبعت سورة القمر بسورة الرحمن تنبيهاً للثقلين وإعذاراً إليهم وتقريراً للجنسين على ما أودع سبحانه في العالم{[61788]} من العجائب والبراهين الساطعة فتكرر فيها التقرير والتنبيه بقوله تعالى : { فبأيّ آلاء ربكما تكذبان } خطاباً للجنسين وإعذاراً للثقلين فبان اتصالها بسورة القمر أشد البيان - انتهى .


[61779]:- في ظ: بسبب.
[61780]:- زيد من ظ.
[61781]:- زيد من ظ.
[61782]:- زيد من ظ.
[61783]:- من ظن وفي الأصل: فائدته.
[61784]:- من ظ، وفي الأصل: معدم.
[61785]:- زيد من ظ.
[61786]:- في ظ: عظم.
[61787]:- في ظ: الكتاب.
[61788]:- من ظ، وفي الأصل: العام.
 
تفسير الجلالين للمحلي والسيوطي - تفسير الجلالين [إخفاء]  
{عَلَّمَ ٱلۡقُرۡءَانَ} (2)

{ علم القرآن }

{ علَّم } من شاء { القرآن } .

 
التفسير الميسر لمجموعة من العلماء - التفسير الميسر [إخفاء]  
{عَلَّمَ ٱلۡقُرۡءَانَ} (2)

الرحمن علَّم الإنسان القرآن ؛ بتيسير تلاوته وحفظه وفهم معانيه .