{ الرحمن عَلَّمَ القرءان } لأنه أعظم النعم شأناً وأرفعها مكاناً كيف لا وهو مدار للسعادة الدينية والدنيوية وعيار على الكتب السماوية ما من مرصد ترنو إليه أحداق الأمم إلا وهو منشؤه ومناطه ، ولا مقصد تمتد نحوه أعناق الهمم إلا وهو منهجه وصراطه ، ونصبه على أنه مفعول ثان لعلم ومفعوله الأول محذوف لدلالة المعنى عليه أي علم الإنسان القرآن وهذا المفعول هو الذي كان فاعلاً قبل نقل فعل الثلاثي إلى فعل المضعف ، وسها الإمام فحسب أن المحذوف المفعول الثاني حيث قال : علم لا بد له من مفعول ثان وترك للإشارة إلى أن النعمة في التعليم لا في تعليم شخص دون شخص ، ويمكن أن يقال : أراد أنه لا بد له من مفعول آخر مع هذا المفعول فلا جزم بسهوه ، وقيل : المقدر جبريل عليه السلام أو الملائكة المقربين عليهم السلام ، وقيل : محمد صلى الله عليه وسلم ، وعلى القولين يتضمن ذلك الإشارة إلى القرآن كلام الله عز وجل ، والقول الأول أظهر وأنسب بالمقام ، ولي في تعليم غير جبريل عليه السلام من الملائكة الكرام تردد مّا بناءاً على ما في الإتقان نقلاً عن ابن الصلاح من أن قراءة القرآن كرامة أكرم الله تعالى بها البشر فقد ورد أن الملائكة لم يعطوا ذلك وأنهم حريصون لذلك على استماعه من الإنس ، وإنما لم أعتبر عمومه للنصوص الدالة على أن جبريل عليه السلام كان يقرأ القرآن وكأني بك لا تسلم صحة ما ذكر وإن استثنى منه جبريل عليه السلام ، وقيل : { علم } من العلامة ولا تقدير أي جعل القرآن علامة وآية لمن اعتبر ، أو علامة للنبوة ومعجزة ، وهذا على ما قيل : يناسب ما ذكر في مفتتح السورة السابقة من قوله تعالى : { وانشق القمر } [ القمر : 1 ] وتتناسب السورتان في المفتتح حيث افتتحت الأولى بمعجزة من باب الهيبة وهذه بمعجزة من باب الرحمة .
وقد أبعد القائل ولو أبدى ألف مناسبة ، فالذي ينبغي أن يعلم أنه من التعليم ، والمراد بتعليم القرآن قيل : إفادة العلم به لا بمعنى إفادة العلم بألفاظه فقط بل بمعنى إفادة ذلك والعلم بمعانيه على وجه يعتدّ به وهو متفاوت وقد يصل إلى العلم بالحوادث الكونية من إشاراته ورموزه إلى غير ذلك فإن الله تعالى لم يغفل شيئاً فيه .
أخرج أبو الشيخ في كتاب العظمة عن أبي هريرة مرفوعاً «إن الله لو أغفل شيئاً لأغفل الذرة والخردلة والبعوضة » .
وأخرج ابن جرير . وابن أبي حاتم عن ابن مسعود أنزل في هذا القرآن علم كل شيء وبين لنا فيه كل شيء ولكن علمنا يقصر عما بين لنا في القرآن ، وقال ابن عباس : لو ضاع لي عقال بعير لوجدته في كتاب الله تعالى ؛ وقال المرسي : جمع القرآن علوم الأولين والآخرين بحيث لم يحط بها علماً حقيقة إلا المتكلم به ، ثم رسول الله صلى الله عليه وسلم خلا ما استأثر به سبحانه ، ثم ورث عنه معظم ذلك سادات الصحابة وأعلامهم كالخلفاء الأربعة ، ثم ورث عنهم التابعون لهم بإحسان ، ثم تقاصرت الهمم وفترت العزائم وتضاءل أهل العلم وضعفوا عن جمل ما حمله الصحابة والتابعون من علومه وسائر فنونه ، وفسر بعضهم التعليم بتنبيه النفس لتصور المعاني ، وجوز الإمام أن يراد به هنا جعل الشخص بحيث يعلم القرآن فالآية كقوله تعالى : { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرءان لِلذّكْرِ } [ القمر : 17 ] وهو بهذا المعنى مجاز كما لا يخفى ، و { الرحمن } مبتدأ ، والجملة بعده خبره كما هو الظاهر ، وإسناد تعليمه إلى اسم { الرحمن } للإيذان بأنه من آتار الرحمة الواسعة وأحكامها ، وتقديم المسند إليه إما للتأكيد أو للحصر ، وفيه من تعظيم شأن القرآن ما فيه ، وقيل : { الرحمن } خبر مبتدأ محذوف ، أو مبتدأ خبره محذوف أي الله الرحمن ، أو الرحمن ربنا وما بعد مستأنف لتعديد نعمه عز وجل وهو خلاف الظاهر ، ثم أتبع سبحانه نعمة تعليم القرآن بخلق الإنسان فقال تعالى : { خَلَقَ الإنسان }
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.