قوله : «عَلَّم القُرآن » فيه وجهان{[54252]} :
أظهرهما : أنه «علم » المتعدية إلى اثنين أي عرف من التعليم ، فعلى هذا المفعول الأول محذوف .
قيل : تقديره : علم جبريل القرآن .
وقيل : علّم الإنسان ، وهذا أولى لعمومه ، ولأن قوله : «خَلَقَ الإنْسان » دال عليه .
والثاني : أنها من العلامة ، والمعنى : جعله علامة ، وآية يعتبر بها{[54253]} ، أي : هو علامة النبوة ومعجزة ، وهذا مناسب لقوله تعالى : { وانشق القمر } [ القمر : 1 ] . على ما تقدم أنه ذكر في أول تلك السورة معجزة من باب الهيبة ، وذكر في هذه السورة معجزة من باب الرحمة ، وهو أنه يسر من العلوم ما لا يسره غيره ، وهو ما في القرآن ، أو يكون بمعنى أنه جعله بحيث يعلم كقوله تعالى : { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرآن لِلذِّكْرِ } [ القمر : 17 ] ، فالتعليم على هذا الوجه مجاز كما يقال لمن أنفق على متعلم وأعطى أجرة معلمه : علمته .
فإن قيل : لم ترك المفعول الثاني ؟ .
فالجواب : أن ذلك إشارة إلى أن النعمة في التعليم لا تعليم شخص دون شخص ؛ فإن قيل : كيف يجمع بين هذه الآية ، وبين قوله : { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ الله } [ آل عمران : 7 ] ؟ فالجواب : إن قلنا بعطف الرَّاسخين على «الله » فظاهر .
وإن قلنا بالوقف على الجلالة ، ويبتدأ بقوله : «والرَّاسِخُون » فلأن من علم كتاباً عظيماً فيه مواضع مشكلة قليلة ، وتأملها بقدر الإمكان ، فإنه يقال : فلان يعلم الكتاب الفلاني ، وإن كان لم يعلم مراد صاحب الكتاب بيقين في تلك المواضع القليلة ، وكذا القول في تعليم القرآن ، أو يقال : المراد لا يعلمه من تلقاء نفسه ، بخلاف الكتب التي تستخرج بقوّة الذكاء .
قال المفسرون : نزلت هذه الآية حين قالوا : وما الرحمان ؟ .
وقيل : نزلت جواباً لأهل «مكة » حين قالوا : { إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ } [ النحل : 103 ] ، وهو رحمان «اليمامة » ، يعنون : مسيلمة الكتاب فأنزل الله - تعالى - { الرحمان ، علَّم القُرآن } أي : سهله لأن يذكر ويُقرأ .
كما قال : { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرآن لِلذِّكْرِ } [ القمر : 22 ] .
قوله تعالى{[54254]} : «خلق الإنسان » .
قال ابن عباس وقتادة ، والحسن : يعني آدم - عليه الصلاة والسلام - .
قوله : «علَّمهُ البَيانَ » علمه أسماء كل شيء .
وقيل : علمه اللغات كلها ، وكان آدم يتكلم بسبعمائة ألف لغة أفضلها العربية . وعن ابن عباس أيضاً ، وابن كيسان : المراد بالإنسان هنا محمد - عليه الصلاة والسلام{[54255]} - والمراد من البيان بيان الحلال من الحرام ، والهدى من الضلالة .
وقيل : ما كان وما يكون ؛ لأنه ينبئ عن الأولين ، والآخرين ، ويوم الدين .
وقال الضحاك : «البيان » : الخير والشر وقال الربيع بن أنس : هو ما ينفعه مما يضره .
وقيل : المراد ب «الإنسان » جميع الناس ، فهو اسم للجنس ، والبيان على هذا الكلام : الفهم وهو مما فضل به الإنسان على سائر الحيوان .
قال السدي : علم كل قوم لسانهم الذي يتكلمون به{[54256]} .
وقال يمان : الكتابة والخط بالقلم نظيره { عَلَّمَ بالقلم عَلَّمَ الإنسان مَا لَمْ يَعْلَمْ } [ العلق : 4 ، 5 ] .
إنه علم الملائكة أولاً ، ثم خلق الإنسان ، وعلمه البيان ، فيكون ابتدأ بالعلوي ، وقابله بالسفلي ، وقدم العلويات على السفليات ، فقال : «علم القرآن » إشارة إلى تعليم العلويين .
ثم قال : { خَلَقَ الإنسانَ ، علَّمهُ البيانَ } إشارة إلى تعليم السفليين ، وقال : { الشمس والقمر بحسبان } [ في العلويات ] {[54257]} { والنجم والشجر يسجدان } [ في السفليات ] {[54258]} .
ثم قال : { والسماء رَفَعَهَا } [ الرحمان : 7 ] ، وفي مقابلتها { والأرض وَضَعَهَا } [ الرحمان : 10 ] .
هذه الجمل من قوله : { عَلَّمَ القُرآنَ ، خلق الإنسَانَ ، علَّمه البيان } جيء بها من غير عاطف ؛ لأنها سيقت لتعديد نعمه ، كقولك : «فلان أحسن إلى فلان ، أشاد بذكره ، رفع من قدره » فلشدة الوصل ترك العاطف ، والظاهر أنها أخبار{[54259]} .
وقال أبو البقاء{[54260]} : و«خَلَقَ الإنسَانَ » مستأنف ، وكذلك «علَّمَهُ » ، ويجوز أن يكون حالاً من الإنسان مقدرة ، وقدَّر معها مرادة انتهى .
وهذا ليس بظاهر ، بل الظاهر ما تقدم ، ولم يذكر الزمخشري غيره{[54261]} .
فإن قيل : لم قدم تعليم القرآن للإنسان على خلقه ، وهو متأخر عنه في الوجود ؟ .
فالجواب : لأن التعليم هو السبب في إيجاده وخلقه .
فإن قيل : كيف صرح بذكر المفعولين في «علَّمهُ البَيانَ » ، ولم يصرح بهما في «علَّم القُرآن » ؟ .
فالجواب : أن المراد من قوله «علَّمه البَيَانَ » تعديد النِّعم على الإنسان ، واستدعاء للشكر منه ، ولم يذكر الملائكة ؛ لأن المقصود ذكر ما يرجع إلى الإنسان .
فإن قيل : بأنه علم الإنسان القرآن .
فيقال : بأن ذكر نعمة التعليم وعظمها على سبيل الإجمال ، ثم بين كيفية تعليمه القرآن ، فقال : { خَلَقَ الإنسان عَلَّمَهُ البيان } .
واستدلّ بعضهم بهذه الآية على أن الألفاظ توقيفية{[54262]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.