وبينما يجري السياق على أسلوب الحكاية لقصة غبرت في التاريخ . . يلتفت فجأة وكأنما الأمر حاضر . والأحداث جارية . فيتحدث عما سيكون . ويهدد بهذا الذي سيكون :
( سيعلمون غدا من الكذاب الأشر ) !
وهذه إحدى طرق العرض القرآنية للقصص . وهي طريقة تنفخ روح الحياة الواقعية في القصة ، وتحيلها من حكاية تحكى ، إلى واقعة تعرض على الأنظار ، يترقب النظارة أحداثها الآن ، ويرتقبونها في مقبل الزمان !
( سيعلمون غدا من الكذاب الأشر ) . . وسيكشف لهم الغد عن الحقيقة . ولن يكونوا بمنجاة من وقع هذه الحقيقة . فستكشف عن البلاء المدمر للكذاب الأشر !
مَن الكذاب الأشر : هو أم هم ، أي : مَن الذي حمله أشره على الاستكبار عن الحق وطلب الباطل ؟
26- { سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ } .
سيعلمون غدا – يوم القيامة – من هو الكذَّاب المتعالي عن الحق ، صالح أم هم المكذبون المجرمون .
المراد : سيعلمون أنهم هم الكذابون الأشرون ، لكنَّ الله أورد ذلك مورد الإيهام للإشارة إلى أنه مما لا يكاد يخفى .
" سيعلمون غدا " أي سيرون العذاب يوم القيامة ، أو في حال نزول العذاب بهم في الدنيا . وقرأ ابن عامر وحمزة بالتاء على أنه من قول صالح لهم على الخطاب . الباقون بالياء إخبار من الله تعالى لصالح عنهم . وقوله : " غدا " على التقريب على عادة الناس في قولهم للعواقب : إن مع اليوم غدا ؛ قال :
للموتِ فيها سهامٌ غيرُ مُخْطِئَةٍ *** من لم يكن مَيِّتاً في اليوم مَاتَ غدا
ألا عَلِّلاَنِي قبل نَوْحِ النَّوَائحِ *** وقبل اضطرابِ النفس بينَ الجَوانح
وقبل غدٍ يا لهفَ نفسي على غدٍ *** إذا راح أصحابي ولستُ برائح
وإنما أراد وقت الموت ولم يرد غدا بعينه . " من الكذاب الأشر " وقرأ أبو قلابة " الأشر " بفتح الشين وتشديد الراء جاء به على الأصل . قال أبو حاتم : لا تكاد العرب تتكلم بالأشر والأخير إلا في ضرورة الشعر ، كقول رؤبة :
بلال خيرُ الناس وابنُ الأَخْيَرِ
وإنما يقولون هو خير قومه ، وهو شر الناس ، قال الله تعالى : " كنتم خير أمة أخرجت للناس{[14485]} " [ آل عمران : 110 ] وقال : " فسيعلمون من هو شر مكانا{[14486]} " [ مريم : 75 ] . وعن أبي حيوة بفتح الشين وتخفيف الراء . وعن مجاهد وسعيد بن جبير ضم الشين والراء والتخفيف ، قال النحاس : وهو معنى " الأشر " ومثله رجل حَذِر وحَذُر .